بحث داخل المدونة

‏إظهار الرسائل ذات التسميات تعريفات سياسية ومذهبية وطائفية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تعريفات سياسية ومذهبية وطائفية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

التعريف بالمعتزلة

الاعتزال لغة واصطلاحا
الاعتزال معناه لغة: الانفصال والتنحي، واعتزلت القوم أي فارقتهم وتنحيت عنهم، والمعتزلة هم المنفصلون . هذا في اللغة. أما في الاصطلاح فهي فرقة عقلانية كلامية فلسفية، تتكون من طوائف من أهل الكلام، الذين خلطوا بين الشرعيات والفلسفة والعقليات 
في كثير من مسائل العقيدة، وقد خرجت المعتزلة عن السنة والجماعة في مصادر التلقي ومناهج الاستدلال ومنهج تقرير العقيدة وفي أصول الاعتقاد . ويسمون أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية  والعدلية، وهم قد جعلوا لفظ القدرية مشتركًا، وقالوا: لفظ القدرية يُطلق على من يقول بالقدر خيره وشره من الله تعالى؛ احترازًا من وصمة اللقب إذ كان الذم به متفقًا عليه لقول النبي : "الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الأُمَّةِ" .

النشأة وجذور الاعتزال
الواقع أن نشأة الاعتزال كانت ثمرة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرد في النصوص الدينية، وقد نتج ذلك عن التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية والعقائد اليهودية والنصرانية؛ فقبل بروز المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء كان هناك جدل ديني فكري بدأ بمقولات جدلية كانت هي الأسس الأولى للفكر المعتزلي، على أن هناك رواية ترجع الفكر المعتزلي في نفي الصفات إلى أصول يهودية فلسفية؛ فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي . وقيل أيضًا: إن مناقشات الجهم بن صفوان مع فرقة السمنية  قد أدت إلى تشكيكه في دينه، وابتداعه لنفي الصفات, كما أن فكر يوحنا الدمشقي وأقواله تُعدُّ موردًا من موارد الفكر الاعتزالي؛ إذ إنه كان يقول بالأصلح، ونفي الصفات  الأزلية وحرية الإرادة الإنسانية .

وقد برزت المعتزلة بعد ذلك كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء الذي كان تلميذًا للحسن البصري، وذلك عندما دخل رجل على الحسن البصري فقال: يا إمام الدين، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفِّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة، وهم 
وعيدية الخوارج، وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان، بل العمل على مذهبهم ليس ركنًا من الإيمان، ولا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأمة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادًا؟ فتفكر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقًا ولا كافر مطلقًا، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد، يقرر ما أجاب على جماعة من أصحاب الحسن، 

فقال الحسن: اعتزل عنا واصل؛ فسمي هو وأصحابه معتزلة . ولأجل هذا سمَّاهم المسلمون معتزلة لاعتزالهم قول الأمة بأسرها .وكان سبب سؤال السائل ذلك للحسن البصري أنه لم يكن في زمن النبي  خوض في هذه المسائل ولا في صدر الإسلام، وإنما حدث ذلك في أواخر عصر متأخِّري الصحابة  وأول حدوثه في مسألة القَدَرِ وفي الاستطاعة من معبد الجُهنَيّ وغيلان الدمشقي والجَعد بن درهم، 

وتبرّأ منهم متأخَرو الصحابة عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبو هريرة، وتواصَوا وأوصَوا أخلافهم أن لا يسلموا عليهم، ولا يصلّوا على جنائزهم، ولا يعودوا مَرضاهم، وإنما حملهم على ذلك ما صحّ عن رسول الله  من ذّم القدرية . وكان علماء التابعين في ذلك العصر مع أكثر الأمة يقولون: إن صاحب الكبيرة من أمة الإسلام مؤمن؛ لما فيه من معرفته بالرسل والكتب المنزلة من الله تعالى، ولمعرفته بأن ما جاء من عند الله حق، ولكنه فاسق بكبيرته، وفسقه لا ينفي عنه اسم الإيمان والإسلام، وعلى هذا القول مضى سلف الأمة من الصحابة وأعلام التابعين .

مؤسس الاعتزال وأبرز المنظرين :
مؤسس هذه الفرقة هو واصل بن عطاء البصري (80- 131هـ/ 699- 749م) الغزّال المتكلم البليغ المتشدق الذي كان يلثغ بالراء، فلبلاغته هجر الراء وتجنبها في خطابه، سمع من الحسن البصري وغيره، قال أبو الفتح الأزدي: رجل سوء كافر.قلت : كان من أجلاد المعتزلة، ولد سنة ثمانين بالمدينة. ومما قيل فيه: ويجعل البر قمحًا في تصرفـه  وخالف الراء حتى احتال للشعر
ولم يطق مطرًا في القول يعجله *** فعاذ بالغيث إشفاقًا من المطـر
وله من التصانيف: كتاب أصناف المرجئة، وكتاب التوبة، وكتاب معاني القرآن، وكان يتوقف في عدالة أهل الجمل ويقول: إحدى الطائفتين فسقت لا بعينها، فلو شهد عندي عليٌّ وعائشة وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهم . مات سنة إحدى وثلاثين ومائة .

ومن أبرز منظري المعتزلة أيضًا:
أبو الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف (135- 226هـ/ 753- 841م) شيخ المعتزلة، ومقدم الطائفة، ومقرر الطريقة، والمناظر عليها، أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء[17]، وتُنسب إليه فرقة الهذيلية. وأيضًا إبراهيم بن يسار بن هانئ النظَّام (ت 231هـ/ 846م) وقد طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة، وخلط كلامهم بكلام المعتزلة  ، وتُنسب إليه فرقة النظاميّة. ومنهم أيضًا معمر بن عباد السلمي (ت 220هـ/ 835م) وهو من أعظم القدريّة فِرْيةً في تدقيق القول بنفي الصفات، ونفي القدر خيره وشره عن الله تعالى، والتكفير والتضليل على ذلك ، وتُنسب إليه فرقة المعمرية. ومنهم عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى الملقب بالمردار (ت 226هـ/ 841م)، وكان يقال له: راهب المعتزلة ، وقد عُرف عنه التوسُّع في التكفير حتى كفّر الأمة بأسرها بما فيها المعتزلة، وتُنسب إليه فرقة المردارية. وأيضًا ثمامة بن أشرس النميري (ت 213هـ/ 828م) كان جامعًا بين قلة الدين وخلاعة النفس، مع اعتقاده بأن الفاسق يخلد في النار إذا مات على فسقه من غير توبة، وهو في حال حياته في منزلة بين المنزلتين. وكان زعيم القدرية في زمان المأمون والمعتصم والواثق، وقيل إنه الذي أغرى المأمون ودعاه إلى الاعتزال، وتُسمَّى فرقته الثماميّة .

ومن أبرز منظري المعتزلة أيضًا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 256هـ/ 870م) وهو من كبار كُتَّاب المعتزلة، ومن المطلعين  على كتب الفلاسفة، ونظرًا لبلاغته في الكتابة الأدبية استطاع أن يدسّ أفكاره المعتزلية في كتاباته كما يدس السم في الدسم، مثل البيان والتبيين، وتُسمى فرقته الجاحظية. وكذلك أبو الحسين بن أبي عمر الخياط (ت 300هـ/ 913م) من معتزلة بغداد، وبدعته التي تفرد بها قوله بأن المعدوم جسم، والشيء المعدوم قبل وجوده جسم، وهو تصريح بقدم العالم، وهو بهذا يخالف جميع المعتزلة، وتسمى فرقته الخياطية .ومنهم أيضًا القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني (ت 414هـ/ 1023م) فهو من متأخري المعتزلة، قاضي قضاة الرَّيّ وأعمالها، وأعظم شيوخ المعتزلة في عصره، وقد أرّخ للمعتزلة وقنن مبادئهم وأصولهم الفكرية والعقدية. هؤلاء هم أشهر منظري المعتزلة.

المبادئ العامة للمعتزلة
جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين:
الأولى: القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل، فهو يخلق أفعاله بنفسه، ولذلك كان التكليف. ومن أبرز من قال ذلك غيلان الدمشقي، الذي أخذ يدعو بمقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز حتى عهد هشام بن عبد الملك حيث كانت نهايته. الثانية: القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنًا ولا كافرًا، ولكنه فاسق، فهو بمنزلة بين المنزلتين، هذا حاله في الدنيا. أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة؛ لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة، بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع عندهم من تسميته مسلمًا باعتباره يظهر الإسلام، وينطق بالشهادتين، ولكنه لا يُسمى مؤمنًا .يقول الشهرستاني: الذي يعمُّ طائفة المعتزلة من الاعتقاد القول بأن الله تعالى قديم، والقدم أخص وصف ذاته، ونفوا الصفات القديمة أصلاً فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة هي صفات قديمة ومعانٍ قائمة به؛ لأنه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف لشاركته في الإلهية. واتفقوا على أن كلامه محدث مخلوق في محل، وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه، فإن ما وجد في المحل عرض قد فني في الحال.

واتفقوا على أن الإرادة والسمع والبصر ليست معاني قائمة بذاته، لكن اختلفوا في وجوه وجودها ومحامل معانيها. واتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار، ونفي التشبيه عنه من كل وجه: جهة ومكانًا، وصورة وجسمًا، وتحيزًا وانتقالاً، وزوالاً وتغيرًا وتأثرًا. وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة فيها، وسموا هذا النمط (توحيدًا). واتفقوا على أن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها مستحق على ما يفعله ثوابًا وعقابًا في الدار الآخرة، والرب تعالى منزه أن يضاف إليه شر وظلم وفعل هو كفر ومعصية؛ لأنه لو خلق الظلم كان ظالمًا كما لو خلق العدل كان عادلاً.

واتفقوا على أن الله تعالى لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب -من حيث الحكمة- رعاية مصالح العباد، وأما الأصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف وسموا هذا النمط (عدلاً).
واتفقوا على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض. والتفضل معنى آخر وراء الثواب. وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار، لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار، وسموا هذا النمط (وعدًا ووعيدًا). واتفقوا على أن أصول المعرفة وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع، والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل، واعتناق الحسن واجتناب القبيح واجب كذلك. وورود التكاليف ألطاف للباري تعالى أرسلها إلى العباد بتوسط الأنبياء عليهم السلام امتحانًا واختبارًا؛ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42]. واختلفوا في الإمامة والقول فيها نصًّا واختيارًا .

ونستطيع القول إذن أن المعتزلة يجمعهم -غالبًا- ما يُسمَّى بالأصول الخمسة، وهي:
1- المنزلة بين المنزلتين، وهو قولهم بأن الفاسق الملّي (مرتكب الكبيرة) لا مؤمن ولا كافر، بل في منزلة بينهما.
2- التوحيد، ويقصدون به نفي صفات الله تعالى.
3- العدل، ويقصدون به نفي القدر.
4- الوعد والوعيد، أو (إنفاذ الوعيد)، وهو زعمهم أن مرتكب الكبيرة مخلَّد في النار إذا مات على كبيرته.
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقصدون به الخروج على ولاة الأمور، وإلزام الناس بمقالاتهم وعقائدهم. فمن قال بهذه الأمور أو أكثرها فهو معتزلي .

تطور المعتزلة وانقسامها
من خصائص الفكرة المبتدعة -ومثلها في ذلك مثل كل الأفكار البشرية الاعتقادية- أنها عادة تبدأ بسيطة ساذجة في اللفظ والمعنى، ثم لا تلبث أن تتعقد وتتفرع، بل تتغير وتتبدل، ثم تتناقض وتتضارب، وإذا كثير من مبادئها الأوليّة قد تغيرت بشكل تام، وهي في كل ذلك تسير من سيئ إلى أسوأ، وتزداد انحرافًا وبعدًا عن السُّنَّة، وما ذلك إلا لاعتمادها على العقل فيما لا يدركه العقل؛ لذلك قد قيل: إن صاحب البدعة لا تقبل له توبة، فهو ينتقل من حال إلى حال أسوأ كلما أوغل في بدعته. أما من تمسك بالنصوص الثابتة الجلية، والقواعد الصحيحة البينة فلا مجال لانحرافه؛ إذ إن الأمر دائر بين ثبوت النص وقواعد الفقه فيه، وهما أمران واضحان عند أهل السنة والجماعة حسب منهجهم. وقد ظهر ذلك الأمر جليًّا في فكر المعتزلة وتطور مقالاتهم خلال ثلاثة قرون هي فترة حياة الاعتزال كفرقة مستقلة واضحة ].

فقد افترقت المعتزلة فيما بينها عشرين فرقة، كل فرقة منها تكفِّر سائرها، وهذه الفرق هي الواصلية، والعمرية، والهذيلية، والنظامية، والأسوارية، والمعمرية، والإسكافية، والجعفرية، والبشرية، والمردارية، والهشامية، والتمامية، والجاحظية، والحايطية، والحمارية، والخياطية، وأصحاب صالح قبة، والمويسية، والشحامية، والكعبية، والجبابية، والبهشمية المنسوبة إلى أبي هاشم بن الحبالى. فهذه ثنتان وعشرون فرقة، فرقتان منها من جملة مائة وأربعين من فرق الغلاة في الكفر، وهما الحايطية والحمارية، وعشرون منها قدرية محضة . ومن الواضح أن كل فرقة من هذه الفرق قد تسمت باسم مؤسسها، فالواصلية نسبة إلى واصل بن عطاء، والهذلية نسبة إلى أبي الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف، وهكذا، وقد اتفقوا في الأصول أو المبادئ الخمسة التي سبق ذكرها، واختلفوا في غيرها.

المراحل التي مرت بها فرقة المعتزلة
ظهرت المعتزلة كفرقة فكرية في أوائل القرن الثاني الهجري، إلا أنها -مع ذلك- كان لها نشاط سياسي ودور كبير على مسح الأحداث خاصة في بعض فترات العصر العباسي وإبّان الدولة البويهية الشيعية. ويمكن تقسيم المراحل السياسية للمعتزلة على هذا النحو:
المرحلة الأولى: تكوُّن الفرقة ونشأتها في العصر الأموي.
المرحلة الثانية: المعتزلة في العصر العباسي.
المرحلة الثالثة: في عصر المتوكل (عصر الضعف).
المرحلة الرابعة: في عصر البويهيين (عصر النشاط الثاني).
المرحلة الخامسة: انحلال المعتزلة كفرقة وذوبانها في الفرق الأخرى .

سبق أن ذكرنا أن بدايات نشأة المعتزلة كانت حين اعتزل واصل بن عطاء حلقة شيخه الحسن البصري، كان ذلك في عهد الدولة الأموية، والتي كان لشيوخ الفكر الاعتزالي الأوائل من القدرية والجهمية دور كبير في كثير من الحركات التي خرجت عليها، فلقوا جزاءً شديدًا نتيجة الموقف المعادي للدولة الأموية، فقد خرج معبد الجهني -وهو أول من قال بالقدر- على عبد الملك بن مروان مع عبد الرحمن بن الأشعث في حركته التي كادت تقضي على حكم الأمويين، وقد قتله الحجاج بن يوسف الثقفي بعد فشل الحركة عام 80هـ.
وكذلك خرج الجهم بن صفوان -الذي قال بنفي الصفات وخلق القرآن- مع الحارث بن سريج على بني أمية، فقتله سالم بن أحوز في مرو عام 128هـ بعد فشل الحركة. أما غيلان الدمشقي فقد جرت بينه وبين عمر بن عبد العزيز مناقشات بشأن القدر، فأمسك غيلان عن الكلام فيه حتى مات عمر بن عبد العزيز، ثم أكمل بدعته حتى قتله هشام بن عبد الملك. وأما الجعد بن درهم فقد قتله خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة بعد استفحال أمره .ثم تأتي مرحلة قوة المعتزلة حيث الخلافة العباسية، فقد برز المعتزلة في عهد المأمون حيث اعتنق الاعتزال عن طريق بشر المريسي، وثمامة بن أشرس، وأحمد بن أبي دؤاد، وهو أحد رءوس بدعة الاعتزال في عصره، ورأس فتنة خلق القرآن، وكان قاضيًا للقضاة في عهد المعتصم، وفي فتنة خلق القرآن امتُحن الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بهذه البدعة، فسُجن وعُذِّب وضُرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون، وبقي في السجن مدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله وبقي فيه طيلة خلافة المعتصم ثم ابنه الواثق .

ولما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ أظهر الانتصار للسُّنَّة، فأمر بالمنع من الكلام في مسألة الكلام، والكفِّ عن القول بخلق القرآن، وأن من تعلّم علم الكلام لو تكلم فيه فالمطبق  مأواه إلى أن يموت، وأمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير، وأمر بإكرام الإمام أحمد إكرامًا عظيمًا، وقتل محمد بن عبد الملك بن الزيات الذي سعى في قتل أحمد بن نصر وكان سببًا في محنة الإمام أحمد، وأمر بدفن جثمان أحمد بن نصر الذي كان ما زال معلقًا مصلوبًا منذ قتله الواثق. وهكذا انتهت تلك السنوات التي استطال فيها المعتزلة وسيطروا على السلطة وحاولوا فرض عقائدهم بالقوة والإرهاب خلال أربعة عشر عامًا كاملة .

وفي عهد دولة بني بويه عام 334هـ في بلاد فارس -وكانت دولة شيعية- توطدت العلاقة بين الشيعة والمعتزلة وارتفع شأن الاعتزال أكثر في ظل هذه الدولة، فعيِّن القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره قاضيًا لقضاء الري عام 360هـ بأمر من الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة البويهي، وهو من الروافض المعتزلة، يقول فيه الذهبي: "وكان شيعيًّا معتزليًّا مبتدعًا" . ويقول المقريزي: "إن مذهب الاعتزال فشا تحت ظل الدولة البويهية في العراق وخراسان وما وراء النهر". وممن برز في هذا العهد: الشريف المرتضى الذي قال عنه الذهبي: "وكان من الأذكياء والأولياء المتبحرين في الكلام والاعتزال والأدب والشعر لكنه إمامي جلد" . وبعد ذلك كاد ينتهي الاعتزال كفكر مستقل إلا ما تبنته منه بعض الفرق كالشيعة وغيرهم .

ثم تأتي مرحلة انحلال وذوبان المعتزلة في التشيع، وقد بدأت تلك المرحلة منذ بدأ التزاوج بين الرفض والاعتزال، ومن الواضح أن الرافضة قد تأثروا بمناهج الفكر الاعتزالي بشكل قوي، فنقلوه وهضموه خاصة في مسائل الصفات والقدر، كذلك في محاولتهم الإيهام 
بتعظيم دور العقل، مع أن أصل مذهبهم يقوم على أمور غير معقولة -كالإمام الغائب الذي ينتظرون رجعته كل ليلة- وكذلك تبني المعتزلة تدريجيًّا فكر الشيعة المنحرف؛ ليضمنوا القوة والاستمرار في ظل دول الرافضة، فذاب الاعتزال في التشيع، وانتهت المعتزلة كفرقة مستقلة منذ ذلك الحين .

الفكر الاعتزالي في العصر الحديث :
انتهت المعتزلة كفرقة -كما ذكرنا- لكن بعض أفكارها بدأت بالظهور مرة أخرى في العصر الحديث في آراء بعض المفكرين في عدة قضايا. ويمكن للباحث من خلال كتابات عديد من الكتاب في بضع العقود الماضية أن يتلمس آثار مدرسة فكرية مميزة ينتمي إليها فكرهؤلاء الكتاب وآراؤهم، يُستدل عليها بوحدة الآراء، وتقارب المفاهيم، وتميُّز بتشابه الموضوعات، وتلاقي المقاصد والغايات . ونجد أن بعض الكتاب والمفكرين في الوقت الحاضر يحاولون إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفا عليه الزمن أو كاد، فألبسوه ثوبًا جديدًا، وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل: العقلانية، التنوير، التجديد، التحرر الفكري، التطور، المعاصرة، التيار الديني المستنير، 

اليسار الإسلامي.
وقد قوّى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادي، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وَفْق العقل الإنساني، فلجئوا إلى التأويل كما لجأت المعتزلة من قبل، ثم أخذوا يتلمسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصورهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات المادية، وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل إلا من هذا القبيل.

وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر.
وأخطر ما في هذا الفكر الاعتزالي محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص اليقيني من الكتاب والسُّنة، مثل عقوبة المرتد، وفرضية الجهاد والحدود، وغير ذلك.. فضلاً عن موضوع الحجاب وتعدد الزوجات، والطلاق والإرث... إلخ. وطلب أصحاب هذا الفكر إعادة النظر في ذلك كله، وتحكيم العقل في هذه المواضيع. ومن الواضح أن هذا العقل الذي يريدون تحكيمه هو عقل متأثر بما يقوله الفكر الغربي حول هذه القضايا في الوقت الحاضر.

ومن دعاة الفكر الاعتزالي الحديث سعد زغلول الذي نادى بنزع الحجاب عن المرأة المصرية، وقاسم أمين مؤلف كتاب تحرير المرأة والمرأة الجديدة، ولطفي السيد الذي أطلقوا عليه "أستاذ الجيل"، وطه حسين الذي أسموه "عميد الأدب العربي"، وهؤلاء كلهم أفضوا إلى ما قدموا. هذا في البلاد العربية. أما في القارة الهندية فظهر السير أحمد خان، الذي منح لقب (سير) من قبل الاستعمار البريطاني، وهو يرى أن القرآن الكريم -لا السنة 
النبوية - هو أساس التشريع، وأحلّ الربا البسيط في المعاملات التجارية، ورفض عقوبة الرجم والحرابة، ونفى شرعية الجهاد لنشر الدين، وهذا الأخير قال به لإرضاء الإنجليز؛ لأنهم عانوا كثيرًا من جهاد المسلمين الهنود لهم. وجاء تلميذه "سيد أمير علي" الذي أحلّ زواج المسلمة بالكتابي، وأحل الاختلاط بين الرجل والمرأة. ومن هؤلاء أيضًا مفكرون علمانيون، لم يُعرف عنهم الالتزام بالإسلام، مثل زكي نجيب محمود صاحب (الوضعية المنطقية)، وهي من الفلسفة الوضعية الحديثة التي تنكر كل أمر غيبي.. فهو يزعم أن الاعتزال جزء من التراث ويجب أن نحيِّيه، وعلى أبناء العصر أن يقفوا موقف المعتزلة من المشكلات القائمة .

المصدر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب

التعريف بالصوفية


الصوفية فرقة تظاهرت بالزهد والبعد عن ملذات الدنيا، وتداخلت طريقتهم مع فلسفات هندية وفارسية ويونانية. قيل: إن تسمية الصوفية جاءت من رجل يقال له صوفة واسمه "الغوث بن مر" ظهر في العصر الجاهلي, وهذا ما ذهب إليه ابن الجوزي.
وذهب البيروني إلى أن الصوفية إنما هي اشتقاق من (سوفيا) اليونانية التي تعني الحكمة, وهذا رأي يدعم موقف القائلين بأن التصوف هو وليد الفلسفة الأفلاطونية. وقيل: الصوفية من الصوف؛ لاشتهارهم بلبسه.

أهم عقائد الصوفية
أ- عقيدتهم في الله :
يعتقد المتصوفة في الله عقائد شتى منها "الحلول" كما هو مذهب الحلاج، ومنها "وحدة الوجود" حيث لا انفصال بين الخالق والمخلوق، وهذه هي العقيدة التي انتشرت منذ القرن الثالث وإلى يومنا هذا، وأطبق عليها أخيرًا كل أعلام التصوف مثل ابن عربي وابن سبعين.

ب- عقيدتهم في الرسول :
هناك عقائد شتى؛ فمنهم من يعتقد أن علماءهم تفوقوا على الأنبياء في العلم والمنزلة, ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد  هو قبة الكون وهو الله المستوي على العرش, وأن السموات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره.

ج- عقيدتهم في الأولياء:
يفضلونهم على الأنبياء, وعامتهم يجعل الولي مساويًا لله في كل صفاته، فهو يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويتصرف في الكون.

د- عقيدتهم في الجنة والنار:
يعتقدون أن طلب الجنة منقصة عظيمة, وأنه لا يجوز للولي أن يسعى إليها, وإنما الطلب عندهم والرغبة في الفناء المزعوم في الله, والاطلاع على الغيب والتصريف في الكون, هذه هي جنة الصوفي. وأما النار فيعتقدون أن الخوف منها لا يليق؛ لأن الخوف طبع العبيد.

هـ- اعتقادهم في إبليس وفرعون:
يعتقد عامة الصوفية أنه أكمل العباد وأفضلهم توحيدًا؛ لأنه لم يسجد إلا لله بزعمهم, وكذلك فرعون عندهم أفضل الموحِّدين لأنه قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]، فعرف الحقيقة؛ لأن كل موجود -في زعمهم- هو الله.

عبادات الصوفية
يعتقد الصوفية أن الصلاة والصوم والحج والزكاة هي عبادات العوام, وأما هم فيسمون أنفسهم الخاصة؛ لذلك فإنّ لهم عبادات مخصوصة، ويعتقدون أن الله أسقط التكاليف عن خواصهم.

الطرق الصوفية
1- القادرية: تنسب إلى عبد القادر الجيلاني (470-561هـ) المدفون في بغداد، حيث تزوره كل عام جموع كثيرة من أتباعه للتبرك به.

2- الرفاعية: تنسب إلى أحمد الرفاعي من بني رفاعة قبيلة من العرب, والمتوفى سنة 580هـ, وجماعته يستخدمون السيوف والحراب في إثبات الكرامات, انتشرت طريقته في غرب آسيا.

3- الأحمدية: تنسب إلى أحمد البدوي أكبر أولياء مصر عند الصوفية (596-634هـ)، ولد بفاس, حج ورحل إلى العراق, واستقر في طنطا حتى وفاته, له فيها ضريح مقصود, وأتباعه منتشرون في جميع أرجاء مصر ولهم فيها فروع، كالبيومية والشناوية وأولاد نوح والشعبية, وشارتهم العمامة الحمراء.
4- الدسوقية: تنسب إلى إبراهيم الدسوقي (623-676هـ).
5- الأكبرية: تنسب إلى شيخهم الأكبر محيي الدين بن عربي, وتقوم طريقته على الصمت والعزلة والجوع والسهر.
6- الشاذلية: تنسب إلى أبي الحسن الشاذلي (593-656هـ)، ولد بقرية مرسية, وانتقل إلى تونس, انتشرت طريقته في مصر واليمن وبلاد العرب, وفي مراكش وغرب الجزائر وفي شمال إفريقيا وغربها بعامة.
7- البكداشية: كان الأتراك العثمانيون ينتمون إلى هذه الطريقة، وهي ما تزال منتشرة في ألبانيا، كما أنها أقرب إلى التصوف الشيعي منها إلى التصوف السني, وقد كان لهذه الطريقة دور بارز في نشر الإسلام بين الأتراك والمغول, وكان لها سلطان عظيم على الحكام العثمانيين ذاتهم.
8- المولوية: أنشأها الفارسي جلال الدين الرومي المتوفي سنة 672هـ والمدفون بقونية, يتميزون بإدخال الرقص والإيقاعات في حلقات الذكر، وقد انتشروا في تركيا وآسيا الغربية, ولم يبق لهم هذه الأيام إلا بعض التكايا في تركيا وفي حلب, وفي بعض أقطار المشرق. 
9- النقشبندية: تنسب إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن محمد البخاري الملقب بشاه بقشبند (618-791هـ) وهي طريقة سهلة كالشاذلية, انتشرت في فارس وبلاد الهند وآسيا الغربية. 
10- الملامتية: مؤسسها أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمار المعروف بالقصار توفي سنة 271هـ, وقد ظهر الغلاة منهم في تركيا حديثًا بمظهر الإباحية والاستهتار، وفعل كل أمر دون مراعاة للأوامر والنواهي الشرعية.
11- التيجانية: تنسب إلى أحمد بن محمد بن المختار التيجاني المولود سنة (1150هـ/ 1737م), ونسبته إلى بلدة تسمى (بني توجين) وهي قرية من قرى البربر في المغرب, وينسب نفسه إلى الرسول ، كما هي عادة كل من أسَّس طريقة صوفية.

ادّعى التيجاني أنه خاتم الأولياء جميعًا, و"الغوث الأكبر" في حياته وبعد مماته, وأن أزواج الأولياء منذ آدم وإلى آخر وليٍّ لا يأتيها الفتح والعلم الربّاني إلا بواسطته هو, وأنه أول من يدخل الجنة هو وأصحابه وأتباعه, وأن الرسول أعطاه ذكرًا يسمى صلاة الفاتح، يفضلُ أيَّ ذكرٍ قُرئ في الأرض ستين ألف مرة بما في ذلك القرآن.

وقد ألّف أحد تلاميذه ويُدعى علي حرازم كتابًا في فضل شيخه وكراماته وأخلاقه وأذكاره وأحواله وطريقته، سمّاه "جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التيجاني".

أهم شخصيات الصوفية التاريخية :
1- الحلاج: حسين بن منصور الحلاج, عاش في العصر العباسي, ولد في بلدة الطور قرب مدينة البيضاء في بلاد فارس سنة 857م، وصلب سنة 922م في عهد الخليفة المقتدر بالله؛ لآرائه الشركية. ويعدُّ الحلاج أشهر الحلوليين والاتحاديين.
2- ابن عربي: يلقبه الصوفيون "بالشيخ الأكبر"، ولد سنة (560هـ/ 1165م)، وتوفي سنة (638هـ/ 1240م)، وصاحب مؤلفات عديدة أهمها: روح القدس, الفتوحات المكيّة, نصوص الحكم.
وهو رئيس مدرسة "وحدة الوجود", يعتبر نفسه خاتم الأولياء, ولد بالأندلس, ورحل إلى مصر، وحجّ وزار بغداد, واستقر في دمشق حيث مات ودفن, وله فيها إلى الآن قبر يُزار, وله كتب يقول البعض إنها تصل إلى 400 كتاب ورسالة، فيما يزال بعضها مخطوطًا.
3- أبو يزيد البسطامي المتوفى سنة 243هـ وقيل 261هـ, كان جدُّه مجوسيًّا، وأبوه من أتباع زرادشت, وهو صاحب العبارة الشهيرة (خضنا بحرًا وقف الأنبياء بساحله).
4- ابن الفارض (566- 632هـ): هو أبو حفص عمر بن علي الحموي الأصل، المصري المولد, لقب بشرف الدين, وهو من الغلاة الموغلين في وحدة الوجود.
5- رابعة العدوية.
6- جلال الدين الرومي.

أبرز الشخصيات الصوفية المعاصرة :
1- حازم أبو غزالة مواليد 1933م, يقيم في الأردن ويدير جمعية دار القرآن الكريم التي تأسست سنة 1964م, وقد نشرت صحيفة البلاد الأردنية بتاريخ 30/10/2002م مقابلة مطولة معه، أشار فيها إلى أنه كان يتردد على الزوايا الصوفية في نابلس بفلسطين التي تنحدر منها، وقد درس الشريعة في سوريا, ومن أساتذته عبد القادر عيسى الحلبي، ومحمد الهاشمي التلمساني.
وهو شيخ الطريقة القادرية الشاذلية, وقد ذكر في المقابلة أن أتباعه في العالم يقدرون بعشرة ملايين صوفي في سوريا والعراق وتركيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا ودول المغرب وأمريكا وهولندا والدنمارك وتايلاند... وغيرها, وله أكثر من أربعين كتابًا.
2- علي الجفري: يمني كان يقيم في مصر، ويقيم الآن في السعودية, وله دروس في بعض الفضائيات يجاهر فيها بعقيدته الصوفية، ويقول: إن له مذهبًا صوفيًّا في منطقة حضرموت اليمنية.

الصلة بين التصوف والتشيع :
المطلع على حقيقة مذاهب الصوفية, وعلى حقائق مذاهب التشيع يجد أن الفرقتين تنبعان من أصل واحد تقريبًا, ويهدفان في النهاية إلى غاية واحدة, وثمة أوجه تلاقٍ كثيرة بين التصوف والتشيع؛ مما حدا ببعض العلماء اعتبارهما وجهين لعملة واحدة.

وأهم أوجه التلاقي هي:
1- ادعاء العلوم الخاصة:
حيث يدّعي الشيعة أن عندهم علومًا خاصة, وينسبونها تارة إلى الإمام علي بن أبي طالب , وتارة إلى الأئمة من أولاد علي وفاطمة، ويدّعون أن هؤلاء الأئمة يعلمون الغيب ولا يخطئون ولا ينسون, ولا يستطيع أحد فهم الإسلام إلا على طريقتهم.
 ودرج المتصوفة على المنوال نفسه، حيث احتقروا ما عند المسلمين من علم، وافتخروا بأن لديهم علومًا لا يطلع عليها إلا هم, حيث قالوا: "خضنا بحرًا وقف الأنبياء بساحله"، كناية عن تفوقهم على أنبياء الله. وجعل المتصوفة مصدر علومهم الخاصة التأويل الباطني للقرآن والحديث, حيث يزعمون تارة أنهم تلقوا هذا التأويل من الله, وتارة يزعمون أنه من الملك وأخرى بالإلهام.

2- الإمامة الشيعية والولاية الصوفية:
بني مذهب التشيع على أن الأئمة أناس مختارون من الله لقيادة الأمة, واعتبروهم معصومين، وكذلك الصوفية أخذوا هذه العقائد وأطلقوها على من سموهم بالأولياء، وجعلوهم متصرفين في الكون، وأن مقامهم لا يبلغه الأنبياء والملائكة.

3- القول بأن للدين ظاهرًا وباطنًا:
واتفق الشيعة والصوفية أيضًا على الزعم بأن للدين ظاهرًا وباطنًا: ظاهرًا قالوا يفهمه العامّة، وباطنًا عندهم هو العلم الحقيقي المراد من النص, وهذا لا يفهمه ولا يعلمه إلا الأئمة والأولياء.

4- تقديس القبور وزيارة المشاهد:
الشيعة هم أول من بنى المشاهد على القبور والمساجد عليها في الإسلام، وعظموا قبور أئمتهم, وكذلك جاء المتصوفة فجعلوا أهم مشاعرهم هو زيارة القبور وبناء الأضرحة, والطواف بها والتبرك بأحجارها, والاستغاثة بالأموات.

5- العمل على هدم الدولة الإسلامية:
فكما كان للشيعيَّيْن الطوسي وابن العلقمي الدور الكبير في هدم دولة الخلافة الإسلامية العباسية, كان لبعض أقطاب التصوف الدور البارز في دعم الدول الباطنية كالعبيدية الفاطمية ودولة القرامطة, وعلى رأس هؤلاء الحلاَّج.

أقوال بعض الأئمة والعلماء في الصوفية:
- الإمام الشافعي: أدرك بدايات التصوف وكان أكثر العلماء والأئمة إنكارًا عليهم, وقد كان مما قاله في هذا الصدد: "لو أن رجلاً تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق".

- الإمام أحمد بن حنبل: كان للصوفية بالمرصاد، فقد قال فيما بدأ الحارث المحاسبي يتكلم فيه وهو الوساوس والخطرات.. قال الإمام أحمد: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون، وحذر من مجالسة الحارث. وقال لصاحبٍ له: لا أرى لك أن تجالسه.

- الإمام ابن الجوزي: كتب كتابًا سماه "تلبيس إبليس"، خصَّ الصوفية بمعظم فصوله، وبيَّن تلبيس الشيطان عليهم ما جعلهم يتخبطون في الظلمات.

- شيخ الإسلام ابن تيمية: كان من أعظم الناس بيانًا لحقيقة التصوف, وتتبعًا لأقوال الزنادقة والملحدين وخاصة ابن عربي والتلمساني وابن سبعين, فتعقب أقوالهم وفضح باطنهم، وحذر الأمة من شرورهم.

وختامًا.. إن التصوف عبر تاريخه الطويل هو انحراف عن منهج الزهد الذي يحضُّ الإسلام سُلوكَ سبيله، والمقترن بالعلم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفع الأمة ونشر الدين؛ ولذا رفضه الرسول  من بعض الصحابة, ثم زاد هذا الانحراف عندما اختلط التصوف بالفلسفات الهندية واليونانية والرهبانية النصرانية في العصور المتأخرة، وتفاقم الأمر عندما أصبحت الصوفية تجارة للمشعوذين والدجالين ممَّن قلَّتْ بضاعتهم في العلم، وقصر سعيهم عن الكسب الحلال.

وقد أدرك أعداء الإسلام ذلك، فحاولوا أن يُشوِّهوا الإسلام من الداخل من خلال التصوف، ويقضوا على صفاء عقيدة التوحيد التي يمتاز بها الإسلام، ويجعلوا المسلمين يركنون إلى السلبية؛ حتى لا تقوم لهم قائمة.
  
المصدر: مجلة الراصد الإلكترونية.

التعريف بالدروز


الدروز فرقة باطنية تؤلِّه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، أخذت جُلّ عقائدها عن الإسماعيلية، وهي تنتسب إلى نشتكين الدرزي. نشأت في مصر لكنها لم تلبث أن هاجرت إلى الشام. عقائدها خليط من عدة أديان وأفكار، كما أنها تؤمن بسرية أفكارها، فلا تنشرها على الناس، ولا تعلمها لأبنائها إلا إذا بلغوا سن الأربعين.

التأسيس وأبرز الشخصيات
* محور العقدية الدرزية هو الخليفة الفاطمي: أبو علي المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي الملقب بالحاكم بأمر الله، ولد سنة 375هـ/ 985م، وقتل سنة 411هـ/ 1021م. كان شاذًّا في فكره وسلوكه وتصرفاته، شديد القسوة والتناقض والحقد على الناس، أكثر من القتل والتعذيب دون أسباب تدعو إلى ذلك.

* المؤسس الفعلي لهذه العقيدة هو: حمزة بن علي بن محمد الزوزني 375هـ/ 430هـ: وهو الذي أعلن سنة 408هـ أن روح الإله قد حلت في الحاكم، ودعا إلى ذلك، وألّف كتب العقائد الدرزية.

* محمد بن إسماعيل الدرزي المعروف بنشتكين، كان مع حمزة في تأسيس عقائد الدروز إلا أنه تسرع في إعلان ألوهية الحاكم سنة 407هـ؛ مما أغضب حمزة عليه وأثار الناس ضده، حيث فرَّ إلى الشام وهناك دعا إلى مذهبه وظهرت الفرقة الدرزية التي ارتبطت باسمه على الرغم من أنهم يلعنونه؛ لأنه خرج عن تعاليم حمزة الذي دبّر لقتله سنة 411هـ.

* الحسين بن حيدرة الفرغاني المعروف بالأخرم أو الأجدع: وهو المبشر بدعوة حمزة بين الناس.

* بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السموقي المعروف بالضيف: كان له أكبر الأثر في انتشار المذهب وقت غياب حمزة سنة 411هـ. وقد ألَّف كثيرًا من نشراتهم مثل: رسالة التنبيه والتأنيب والتوبيخ، ورسالة التعنيف والتهجين، وغيرها. وهو الذي أغلق باب الاجتهاد في المذهب؛ حرصًا على بقاء الأصول التي وضعها هو وحمزة والتميمي.

* أبو إبراهيم إسماعيل بن حامد التميمي: صهر حمزة وساعده الأيمن في الدعوة، وهو الذي يليه في المرتبة.

* ومن الزعماء المعاصرين لهذه الفرقة:
- كمال جنبلاط: زعيم سياسي لبناني، أسس الحزب التقدمي الاشتراكي، وقتل سنة 1977م.
- وليد جنبلاط: وهو زعيمهم الحالي وخليفة والده في زعامة الدروز وقيادة الحزب.
- د. نجيب العسراوي: رئيس الرابطة الدرزية بالبرازيل.
- عدنان بشير رشيد: رئيس الرابطة الدرزية في أستراليا.
- سامي مكارم: الذي ساهم مع كمال جنبلاط في عدة تآليف في الدفاع عن الدروز.

الناس في الدرزية على درجات ثلاث:
- العقل: وهم طبقة رجال الدين الدارسين له والحفاظ عليه. وهم ثلاثة أقسام: رؤساء أو عقلاء أو أجاويد، ويسمى رئيسهم شيخ العقل.
- الأجاويد: وهم الذين اطلعوا على تعاليم الدين، والتزموا بها.
- الجهال: وهم عامة الناس.

معتقدات الدروز وأفكارهم
* يعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله، ولما مات قالوا بغيبته وأنه سيرجع.
* ينكرون الأنبياء والرسل جميعًا، ويلقبونهم بالأبالسة.
* يعتقدون بأن المسيح هو داعيتهم حمزة.
* يبغضون جميع أهل الديانات الأخرى والمسلمين منهم بخاصة، ويستبيحون دماءهم وأموالهم وغشهم عند المقدرة.
* يعتقدون بأن ديانتهم نسخت كل ما قبلها، وينكرون جميع أحكام وعبادات الإسلام وأصوله كلها.
* حج بعض كبار مفكريهم المعاصرين إلى الهند، متظاهرين بأن عقيدتهم نابعة من حكمة الهند.
* ولا يكون الإنسان درزيًّا إلا إذا كتب أو تلى الميثاق الخاص.
* يقولون بتناسخ الأرواح، وأن الثواب والعقاب يكون بانتقال الروح من جسد صاحبها إلى جسدٍ أسعد أو أشقى.
* ينكرون الجنة والنار والثواب والعقاب الأخرويَّيْن.
* ينكرون القرآن الكريم ويقولون: إنه من وضع سلمان الفارسي، ولهم مصحف خاص بهم يسمى المنفرد بذاته.
* يرجعون عقائدهم إلى عصور متقدمة جدًّا، ويفتخرون بالانتساب إلى الفرعونية القديمة وإلى حكماء الهند القدامى.
* يبدأ التاريخ عندهم من سنة 408هـ، وهي السنة التي أعلن فيها حمزة ألوهية الحاكم.
* يعتقدون أن القيامة هي رجوع الحاكم الذي سيقودهم إلى هدم الكعبة وسحق المسلمين والنصارى في جميع أنحاء الأرض، وأنهم سيحكمون العالم إلى الأبد، ويفرضون الجزية والذل على المسلمين.
* يعتقدون أن الحاكم أرسل خمسة أنبياء هم: حمزة، وإسماعيل، ومحمد الكلمة، وأبو الخير، وبهاء.
* يحرمون التزاوج مع غيرهم والصدقة عليهم ومساعدتهم، كما يمنعون التعدد وإرجاع المطلقة.
* يحرمون البنات من الميراث.
* لا يعترفون بحرمة الأخت والأخ من الرضاعة.
* لا يقبل الدروز أحدًا في دينهم، ولا يسمحون لأحد بالخروج منه.
* ينقسم المجتمع الدرزي المعاصر -كما هو الحال سابقًا- من الناحية الدينية إلى قسمين:

- الروحانيين: بيدهم أسرار الطائفة وينقسمون إلى: رؤساء، وعقلاء، وأجاويد.
- الجثمانيين: الذين يعتنون بالأمور الدنيوية وهم قسمان: أمراء، وجهال.
* أما من الناحية الاجتماعية فلا يعترفون بالسلطات القائمة، إنما يحكمهم شيخ العقل ونوابه وفق نظام الإقطاع الديني.
* يعتقدون ما يعتقده الفلاسفة من أن إلههم خلق العقل الكلي، وبواسطته وجدت النفس الكلية، وعنها تفرّعت المخلوقات.
* يقولون في الصحابة أقوالاً منكرة، منها قولهم: الفحشاء والمنكر هما (أبو بكر وعمر) رضي الله عنهما.
* التستر والكتمان من أصول معتقداتهم، فهي ليست من باب التقية إنما هي مشروعة في أصول دينهم.
* مناطقهم خالية من المساجد، ويستعيضون عنها بخلوات يجتمعون فيها ولا يسمحون لأحد بدخولها.
* لا يصومون في رمضان ولا يحجون إلى بيت الله الحرام، وإنما يحجون إلى خلوة البياضة في بلدة حاصبية في لبنان، ولا يزورون مسجد الرسول  ولكنهم يزورون الكنيسة المريمية في قرية معلولا بمحافظة دمشق.
* لا يتلقى الدرزي عقيدته ولا يبوحون بها إليه، ولا يكون مكلفًا بتعاليمها إلا إذا بلغ سن الأربعين وهو سن العقل لديهم.
* يصنف الدروز ضمن الفرق الباطنية؛ لإيمانها بالتقية والقول بالباطن وبسرية العقائد.
* تؤمن بالتناسخ، بمعنى أن الإنسان إذا مات فإن روحه تتقمص إنسانًا آخر يولد بعد موت الأول، فإذا مات الثاني تقمصت روحه إنسانًا ثالثًا، وهكذا في مراحل متتابعة للفرد الواحد.
* للأعداد خمسة وسبعة مكانة خاصة في العقيدة الدرزية.

من كتب الدروز:
- لهم رسائل مقدسة تسمى رسائل الحكمة وعددها 111 رسالة، وهي من تأليف حمزة وبهاء الدين والتميمي.
- لهم مصحف يسمى المنفرد بذاته.
- كتاب النقاط والدوائر وينسب إلى حمزة بن علي، ويذهب بعض المؤرخين في نسبته إلى عبد الغفار تقي الدين البعقلي الذي قتل سنة 900هـ.
- ميثاق ولي الزمان: كتبه حمزة بن علي، وهو الذي يؤخذ على الدرزي حين يعرف بعقيدته.
- النقض الخفي: وهو الذي نقض فيه حمزة الشرائع كلها، وخاصة أركان الإسلام الخمسة.
- أضواء على مسلك التوحيد: د. سامي مكارم.

الجذور الفكرية والعقائدية للدروز:
* تأثروا بالباطنية عمومًا وخاصة الباطنية اليونانية متمثلة في أرسطو وأفلاطون وأتباع فيثاغورس، واعتبرهم أسيادهم الروحانيين.
* أخذوا جُلَّ معتقداتهم عن الطائفة الإسماعيلية.
* تأثروا بالدهريين في قولهم بالحياة الأبدية.
* وقد تأثروا بالبوذية في كثير من الأفكار والمعتقدات، كما تأثروا ببعض فلسفة الفرس والهند والفراعنة القدامى.

انتشار الدروز ومواقع نفوذهم :
* يعيش الدروز اليوم في لبنان وسوريا وفلسطين.
* غالبيتهم العظمى في لبنان، ونسبة كبيرة من الموجودين منهم في فلسطين المحتلة قد أخذوا الجنسية الإسرائيلية، وبعضهم يعمل في الجيش الإسرائيلي.
* توجد لهم رابطة في البرازيل، ورابطة في أستراليا، وغيرهما.
* نفوذهم في لبنان الآن قوي جدًّا تحت زعامة وليد جنبلاط، ويمثلهم الحزب الاشتراكي التقدمي، ولهم دور كبير في الحرب اللبنانية، وعداوتهم للمسلمين لا تخفى على أحد.
* ويبلغ عدد المنتمين إليها حوالي 250 ألف نسمة موزعين بين سوريا 121 ألفًا، ولبنان 90 ألفًا، والباقي في فلسطين وبعض دول المهجر.

ويتضح مما سبق:
أن الدروز فرقة باطنية تؤلِّه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، نشأت في مصر وهاجرت إلى الشام، وينكرون الأنبياء والرسل جميعًا، ويعتقدون أن المسيح هو داعيتهم حمزة، وحسب هذا دليلاً على كفرهم وضلالهم.

المصدر : الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب.

التعريف بالخوارج


نشأة الخوارج والتعريف بهم
عرّف أهل العلم الخوارج بتعريفات منها ما بيّنه أبو الحسن الأشعري أن اسم الخوارج يقع على تلك الطائفة التي خرجت على رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب ، وبيّن أن خروجهم عليه هو العلة في تسميتهم بهذا الاسم، حيث قال رحمه الله تعالى: "والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على علي لما حكم" . فالخوارج هم أولئك النفر الذين خرجوا على عليٍّ بعد قبوله التحكيم في موقعة صفين، ولهم ألقاب أخرى عرفوا بها غير لقب الخوارج، ومن تلك الألقاب الحرورية والشراة والمارقة والمحكمة وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة؛ فإنهم ينكرون أن يكونوا مارقين من الدين كما يمرق السهم من الرمية .

ومن أهل العلم من يرجّح بداية نشأة الخوارج إلى زمن النبي  ويجعل أول الخوارج ذا الخويصرة الذي اعترض على الرسول في قسمة ذهب كان قد بعث به علي  من اليمن، ويتضح ذلك من الحديث النبوي الشريف الذي رواه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري  حيث قال: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ  لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا . قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلاَثَةَ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ، فَقَالَ: "أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً". قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاشِزُ الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ! قَالَ: "وَيْلَكَ! أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ".

قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ. قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟! قَالَ: "لاَ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي". فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  "إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ". قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ فَقَالَ: "إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ". وَأَظُنُّهُ قَالَ: "لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ" .

ويعلق ابن الجوزي -رحمه الله- على هذا الحديث فيقول: أول الخوارج وأقبحهم حالة ذو الخويصرة التميمي. وفي لفظ أنه قال له: "وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ" . فهذا أول خارجي خرج في الإسلام، وآفته أنه رضي برأي نفسه، ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله وأتباع هذا الرجل هم الذين قاتلوا علي بن أبي طالب .

وممن أشار بأن أول الخوارج ذو الخويصرة: أبو محمد بن حزم ، وكذا الشهرستاني . ومن العلماء من يرى أن نشأة الخوارج بدأت بالخروج على عثمان بإحداثهم الفتنة التي أدت إلى قتله ظلمًا وعدوانًا، وسميت تلك الفتنة التي أحدثوها بالفتنة الأولى  . وقد أطلق ابن كثير على الغوغاء الذين خرجوا على عثمان وقتلوه اسم الخوارج .

المصدر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب

التعريف بالبهائية


النشأة والمؤسس
وُلِد حسين عليّ الملَّقب بالبهاء في قرية إيرانية في 2 من المحرم 1233هـ الموافق 11 من نوفمبر 1817م.

لم يتلقَّ حسين تعليمًا نظاميًّا في مدرسة أو معهد، وإنما عهد به أبوه إلى من يعلِّمه في المنزل، ولما نال قسطًا من التعليم اعتمد على نفسه في المطالعة والقراءة، فقرأ كتب الصوفية والشيعة، وشغف بقراءة كتب فرقة الإسماعيلية، وكتب الفلاسفة القدماء، وتأثر بأفكار البوذية والزرادشتية.

وفي شبابه انضم حسين إلى الدعوة البابيَّة، التي أطلقها عليّ محمد الشيرازي المعروف بـ"الباب"، الذي ادَّعى لنفسه النبوة والرسالة، والتفَّ حوله الأتباع والدعاة من غُلاة الباطنية.

انشق حسين على البابية بعد أن برز اسمه في صفوفها وصار له أتباع، ولقَّب نفسه باسم "بهاء الله"، وزعم أنه هو الوريث الحقيقي للباب عليّ محمد الشيرازي الذي تم إعدامه في عام 1850م 
وعندما تنامت الدعوة البهائية قامت الخلافة العثمانية بنفي البهاء حسين في عام 1868م إلى مدينة عكا؛ حيث تلقاه اليهود المقيمون في المدينة بالترحاب، وكفلوا له الأموال، وأحاطوه بالرعاية والأمن، ومنذ ذلك الحين أصبحت مدينة عكا مقرًّا للبهائية.

وعندما اطمئن البهاء وسط الحماية اليهودية انطلق في دعوته الخبيثة، ولم يكتفِ البهاء بادِّعاء النبوة، بل تجاوزها إلى ادِّعاء الألوهية، وأنه القيُّوم الذي سيبقى ويخلد، وأنه روح الله، وهو الذي بعث الأنبياء والرسل، وأوحى بالأديان!

وجعل البهاء الصلاة ثلاث مرات، في كل صلاة ثلاث ركعات، وأبطل الصلاة في جماعة إلا في الصلاة على الميت، وقصر الوضوء على غسل الوجه واليدين وتلاوة دعاءين قصيرين، وجعل الحج إلى مقامه في مدينة عكا، وهو واجب على الرجال دون النساء، وليس له زمن معين أو كيفية محددة لأدائه، وغير ذلك الكثير من الخرافات والخزعبلات الشيطانية، ولكن أهمها -من حيث كونها تكشف أغراضه الخبيثة- ما أقرَّته التعاليم البهائية من إسقاط لتشريع الجهاد، وتحريم الحرب تحريمًا تامًّا!

ترك البهاء عدة كتب منها (الإيقان)، و(مجموعة اللوائح المباركة)، و(الأقدس) وهو أخطر كتب البهاء؛ حيث ادَّعى أنه ناسخ لجميع الكتب السماوية بما فيها القرآن.

أفكار البهائية ومعتقداتها :
يعتقد البهائيون أن البهاء هو الذي خلق كل شيء بكلمته، ويؤمنون بحلول الله  في البهاء، وأن الثواب والعقاب إنما يكونان للأرواح فقط على وجه يشبه الخيال.

كما يقدسون العدد 19 فجعلوا عدد الشهور 19 شهرًا، وعدد الأيام 19 يومًا، ويؤمنون بنبوة بوذا وكونفوشيوس وزرادشت وأمثالهم من حكماء الهند والصين، وينكرون معجزات الأنبياء وحقيقة الملائكة والجن، كما ينكرون الجنة والنار، ويحرِّمون الحجاب على المرأة، ويحلِّلون المتعة وشيوعية النساء والأموال .

أصيب البهاء في آخر حياته بالجنون، وهلك في 2 من ذي القعدة 1309هـ الموافق 29 من مايو 1892م، وخلفه في رئاسة البهائية ابنه عباس الملقَّب بعبد البهاء .

وقد زار عباس سويسرا وحضر مؤتمرات الصهيونية ومنها مؤتمر بال 1911م، كما استقبل الجنرال اللنبي لما أتى إلى فلسطين بالترحاب؛ مما حمل بريطانيا على تكريمه ومنحه لقب (سير). كما زار لندن وأمريكا وألمانيا والمجر والنمسا والإسكندرية للخروج بالدعوة من حيز الكيان الإسلامي، فأسَّس في مدينة شيكاغو الأمريكية أكبر محفل للبهائية. وقد هلك عباس في مدينة القاهرة المصرية في عام 1340هـ الموافق 1921م.

خلف عباس بعد وفاته في رئاسة البهائية حفيده شوقي أفندي وهو ابن الرابعة والعشرين من العمر، وسار على نهجه في العمل على نشر هذه الدعوة الخبيثة، ومات بمدينة لندن البريطانية بأزمة قلبية، ودُفِن بها في أرض قدَّمتها الحكومة البريطانية هدية للطائفة البهائية.

في عام 1963م تولى تسعة من البهائيين شئون البهائية بتأسيس بيت العدالة الدولي من تسعة أعضاء: أربعة من الولايات المتحدة الأمريكية، واثنين من إنجلترا، وثلاثة من إيران.

أماكن انتشارها :
توجد الغالبية العظمى من البهائيِّين في إيران، وقليل منهم في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة حيث مقرهم الرئيسي  .

البهائية في مصر
وصلت البهائية إلى مصر في أوائل القرن العشرين بعد أن مهَّد لها الاستعمار السبيل، وانطلق دُعاتها يكتبون ويناقشون ويوزِّعون مطبوعاتهم في كل مكان، وكان لهم محافل في عددٍ من المدنِ المصرية، استطاعوا من خلالها نشر دعوتهم عن طريق الإغراء بالمساعدات المالية، ولكن حال دون استفحال خطرهم يقظة علماء الأمة الذين تصدَّوا بقوة لهذه الدعوة الخبيثة من خلال العديد من الخطب والمحاضرات والبيانات التي توضح ضلالات البهائية ومنافاتها لتعاليم الشريعة الإسلامية.

تشير التقديرات إلى أنَّ عدد البهائيين في مصر لا يزيد على بضعة آلاف ينتشرون في محافظات مصر، ويعيش الكثير منهم دون أوراق رسمية؛ حيث صدر قرار جمهوري سنة 1960م، يحمل رقم 263 يقضي بإغلاق جميع المحافل والمراكز البهائية، عقب دعوى جنائية اتهم فيها بعض الأفراد بنشر الدعوة البهائية في مصر، وبناء على هذا القرار حُكم بالحبس والغرامة على عددٍ من أتباعِ البهائية لقيامهم بممارسة نشاطهم في القاهرة عام 1965م، وتكرر هذا الأمر مع آخرين في عام 1972م، ثمَّ قُبض على مجموعةٍ أخرى في عام 1985م على رأسها رسام شهير كان يعمل وقتها في صحيفة أخبار اليوم، وقد اعترفوا بإيمانهم برسولهم "بهاء الله" وكتابهم الأقدس، وأنَّ قبلتهم جبل الكرمل بحيفا في فلسطين المحتلة، وقد أدانتهم محكمة أول درجة وإن برَّأتهم محكمة الاستئناف لأسبابٍ إجرائية!

وفي عام 2004م، صدر قرار يقصر خانة الديانة في البطاقات الشخصية للمصريين على أصحابِ الديانات الثلاثة المعترَف بها: المسيحية- اليهودية- الإسلام، أو أن تُترك فارغة.

رأي الأزهر:
أكَّدت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أنَّ الإسلام لا يعترف بالبهائية، وأصدرت فتوى في شهر ديسمبر من عام 2003م، تُعلن أن "الإسلام لا يقر أيَّ ديانة أخرى غير ما أمرنا القرآن باحترامه".

وهذه الفتوى أكدَّت ما أفتى به الشيخ جاد الحق على جاد الحق رحمه الله -شيخ الأزهر الشريف السابق- بأنَّ البهائية فرقة مرتدة عن الإسلام، لا يجوز الإيمان بها، ولا الاشتراك فيها، ولا السماح لها بإنشاء جمعيات أو مؤسسات؛ وذلك لأنها تقوم على عقيدة الحلول، وتشريع غير ما أنزل الله، وادِّعاء النبوة، بل والألوهية. والبهائية فكر خليط من فلسفات وأديان متعددة، ليس فيها جديد تحتاجه الأمة الإسلامية لإصلاح شأنها وجمع شملها، بل وضح أنها تعمل لخدمة الصهيونية والاستعمار، فهي سليلة أفكار ونِحَل ابتليت بها الأمة الإسلامية حربًا على الإسلام وباسم الدين.

ثمَّ فسَّر الشيخ جاد الحق أكثر؛ فقال: إنَّ مبادئ هذه البدعة كلها منافية للإسلام، ومن أبرزها: القول بالحلول بمعنى: أن الله  بعد ظهوره في الأئمة الاثني عشر -وهم أئمة الشيعة- ظهر في شخص (الباب)، ثم في أشخاص من تزعَّموا هذه الدعوة من بعده، ولقد ادَّعى (بهاء الله) أنَّه المهدي، ثم ادَّعى النبوة الخاصة، ثم ادَّعى النبوة العامة، ثم الألوهية، وذلك كله باطل ومخالفة صريحة لنص القرآن الكريم.

كما أنكر البهائيون يوم القيامة، وقالوا: إن الجنة هي الحياة الروحانية، والنار هي الموت الروحاني، بجانب ادِّعاء بعضهم نزول الوحي عليهم، وأن بعضهم أفضل من سيدنا محمد ، وألَّفوا كتبًا تعارض القرآن، وادَّعوا أن إعجازها أكبر من إعجاز القرآن.

أيضًا إبطالهم لفريضة الحج إلى مكة، وحجهم إلى حيفا الفلسطينية حيث دُفِن بهاء الله، مخالفين بهذا صريح القرآن الكريم في شأن فريضة الحج. وتقديسهم العدد 19 ووضع تفريعات كثيرة عليه، فهم يقولون: الصوم تسعة عشر يومًا بالمخالفة لنصوص القرآن في الصوم، وأنه مفروض به صيام شهر رمضان. ويقولون: إن السنة تسعة عشر شهرًا، والشهر تسعة عشر يومًا، مخالفين قول الله سبحانه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [التوبة: 36]، وقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 188]، ومخالفين الأمر المحسوس المحسوب أن الشهر القمري إمَّا تسعة وعشرون يومًا، وإمّا ثلاثون يومًا، وهو أيضًا ما أنبأ به الرسول محمد .

ثمَّ إلغاؤهم فريضة الجهاد ضد الأعداء الثابتة بصريح القرآن، وصحيح السنة النبوية، وهذا ما يؤكد انتماءهم للصهيونية العالمية، ويؤكد أنهم نَبْتٌ يعيش في ظلِّها وبأموالها وجاهها .

المصدر: منتدي قصة الإسلام

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

تعريف العلمانية

العلمانية وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيدًا عن الدين وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيدًا عن الدين وتعني في جانبها بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم..

وقد ظهرت في أوربا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر وانتقلت بشكل أساسي إلى مصر وتركيا وإيران ولبنان وسوريا ثم تونس ولحقتها العراق في نهاية القرن التاسع عشر. أما بقية الدول العربية فقد انتقلت إليها في القرن العشرين، وقد اختيرت كلمه علمانية لأنها أقل إثارة من كلمة لادينية.ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيسًا في ضمير الفرد لا يتجاوزالعلاقة الخاصة بينه وبين ربه فان سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما.

تتفق العلمانية مع الديانة النصرانية في فصل الدين عن الدولة حيث لقيصر سلطة الدولة ولله سلطة الكنيسة وهذا واضح فيما ينسب للسيد المسيح من قوله: "أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله", أما الإسلام فلا يعرف هذه الثنائية والمسلم كله لله وحياته كلها لله {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
تأسيس العلمانية وأبرز الشخصيات :

انتشرت هذه الدعوة في أوربا وعمت أقطار العالم بحكم النفوذ الغربي والتغلغل الشيوعي, وقد أدت ظروف كثيرة قبل الثورة الفرنسية سنة 1789م وبعدها إلى انتشارها الواسع وتبلور منهجها وأفكارها وقد تطورت الأحداث وفق الترتيب التالي:

- تحول رجال الدين إلى طواغيت ومحترفين سياسيين ومستبدين تحت ستار الإكليروس والرهبانية والعشاء الرباني وبيع صكوك الغفران.
- وقوف الكنيسة ضد العلم وهيمنتها على الفكر وتشكيله لمحاكم التفتيش واتهام العلماء بالهرطقة، مثل:
1- كوبرنيكوس: نشر عام 1543م كتاب حركات الأجرام السماوية وقد حرمت الكنيسة هذا الكتاب.
2- جرادانو: صنع التلسكوب فعذب عذابًا شديدًا وعمره سبعون سنة وتوفي سنة 1642م.
3- سبينوزا: صاحب مدرسة النقد التاريخي وقد كان مصيره الموت مسلولاً.
4- جون لوك: طالب بإخضاع الوحي للعقل عند التعارض.
ظهور مبدأ العقل والطبيعة: فقد أخذ العلمانيون يدعون إلى تحرر العقل وإضفاء صفات الإله على الطبيعة.
- الثورة الفرنسية: نتيجة لهذا الصراع بين الكنيسة وبين الحركة الجديدة من جهة أخرى، كانت ولادة الحكومة الفرنسية سنة 1789م وهي أول حكومة لا دينية تحكم باسم الشعب, وهناك من يرى أن الماسون استغلوا أخطاء الكنيسة والحكومة الفرنسية وركبوا موجة الثورة لتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهدافهم.
- جان جاك روسو سنة 1778م له كتاب العقد الاجتماعي الذي يعد إنجيل الثورة، مونتسكيو له روح القوانين, سبينوزا ( يهودي) يعتبر رائد العلمانية باعتبارها منهجًا للحياة والسلوك وله رسالة في اللاهوت والسياسة، فولتير صاحب القانون الطبيعي كانت له الدين في حدود العقل وحده سنة 1804م، وليم جودين 1793م له العدالة السياسية ودعوته فيه دعوة علمانية صريحة.
- ميرابو: الذي يعد خطيب وزعيم وفيلسوف الثورة الفرنسية.
- سارت الجموع الغوغائية لهدم الباستيل وشعارها الخبز ثم تحول شعارها إلى (الحرية والمساواة والإخاء) وهو شعار ماسوني و(لتسقط الرجعية) وهي كلمة ملتوية تعني الدين, وقد تغلغل اليهود بهذا الشعار لكسر الحواجز بينهم وبين أجهزة الدولة وإذابة الفوارق الدينية, وتحولت الثورة من ثورة على مظالم رجال الدين إلى ثورة على الدين نفسه.
- نظرية التطور: ظهر كتاب أصل الأنواع سنة 1859م لتشارلز دارون الذي يركز على قانون الانتقاء الطبيعي وبقاء الأنسب وقد جعلت الجد الحقيقي للإنسان جرثومة صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين، والقرد مرحلة من مراحل التطور التي كان الإنسان آخرها.وهذا النظرية التي أدت إلى انهيار العقيدة الدينية ونشر الإلحاد وقد استغل اليهود هذه النظرية بدهاء وخبث.
- ظهور نيتشه: وفلسفته التي تزعم بأن الإله قد مات وأن الإنسان الأعلى (السوبر مان) ينبغي أن يحل محله.
- دور كايم (اليهودي): جمع بين حيوانية الإنسان وماديته بنظرية العقل الجمعي.
- فرويد (اليهودي): اعتمد الدافع الجنسي مفسرًا لكل الظواهر, والإنسان في نظره حيوان جنسي.
- كارل ماركس (اليهودي): صاحب التفسير المادي للتاريخ الذي يؤمن بالتطور الحتمي وهو داعية الشيوعية ومؤسسها والذي اعتبر الدين أفيون الشعوب.
- جان بول سارتر: في الوجودية وكولن ولسون في اللامنتمي: يدعوان إلى الوجودية والإلحاد الاتجاهات العلمانية في العالم الإسلامي نذكر نماذج منها :
1- في مصر: دخلت العلمانية مصر مع حملة نابليون بونابرت, وقد أشار إليها الجبرتي في الجزء المخصص للحملة الفرنسية على مصر وأحداثها بعبارات تدور حول معنى العلمانية وإن لم تذكر اللفظة صراحة, أما أول من استخدم هذا المصطلح العلمانية فهو نصراني يدعى إلياس بقطر في معجم عربي فرنسي من تأليفه سنة 1827م, وأدخل الخديوي إسماعيل القانون الفرنسي سنة 1883م، وكان هذا الخديوي مفتونًا بالغرب، وكان أمله أن يجعل من مصر قطعة من أوربا.
2- الهند: حتى سنة 1791م كانت الأحكام وفق الشريعة الإسلامية ثم بدأ التدرج من هذا التاريخ لإلغاء الشريعة الإسلامية بتدبير الإنجليز وانتهت تمامًا في أواسط القرن التاسع عشر.
3- الجزائر: إلغاء الشريعة الإسلامية عقب الاحتلال الفرنسي سنة 1830م.
4- تونس: أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1906م.
5– المغرب: أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1913م.
6- تركيا لبست ثوب العلمانية عقب إلغاء الخلافة واستقرار الأمور تحت سيطرة مصطفى كمال أتاتورك، وإن كانت قد وجدت هناك إرهاصات ومقدمات سابقة.
7- العراق والشام: ألغيت الشريعة أيام إلغاء الخلافة العثمانية وتم تثبيت أقدام الإنجليز والفرنسيين فيها.
8- معظم إفريقيا: فيها حكومات نصرانية امتلكت السلطة بعد رحيل الاستعمار.
9- إندونيسيا ومعظم بلاد جنوب شرق آسيا دول علمانية.
10- انتشار الأحزاب العلمانية والنزاعات القومية: حزب البعث، الحزب القومي السوري، النزعة الفرعونية، النزعة الطورانية، القومية العربية.
11- من أشهر دعاة العلمانية في العالم العربي الإسلامي: أحمد لطفي السيد، إسماعيل مظهر، قاسم أمين، طه حسين، عبد العزيز فهمي، ميشيل عفلق، أنطوان سعادة، سوكارنو، سوهارتو، نهرو، مصطفى كمال أتاتورك، جمال عبد الناصر، أنور السادات (صاحب شعار: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين)، د. فؤاد زكريا، د. فرج فودة وقد اغتيل بالقاهرة مؤخرًا، وغيرهم.

العلمانية أفكار ومعتقدات :
- بعض العلمانيين ينكر وجود الله أصلاً.
- وبعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون بعدم وجود أية علاقة بين الله وبين حياة الإنسان.
- الحياة تقوم على أساس العلم المطلق وتحت سلطان العقل والتجريب.
- إقامة حاجز بين عالمي الروح والمادة والقيم الروحية لديهم قيم سلبية.
- فصل الدين عن السياسة وإقامة الحياة على أساس مادي.
- تطبيق مبدأ النفعية على كل شيء في الحياة.
- اعتماد مبدأ الميكافيلية في فلسفة الحكم والسياسية والأخلاق.
- نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية وتهديم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية.أما معتقدات العلمانية في العالم الإسلامي والعربي التي انتشرت بفضل الاستعمار والتبشير فهي:
- الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة.
- الزعم بأن الإسلام استنفذ أغراضه وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية.
- الزعم بأن الفقه الإسلامي مأخوذ عن القانون الروماني.
-الوهم بأن الإسلام لا يتلائم مع الحضارة ويدعو إلى التخلف.
- الدعوة إلى تحرير المرأة وفق الأسلوب الغربي.
- تشويه الحضارة الإسلامية وتضخيم حجم الحركات الهدامة في التاريخ الإسلامي, والزعم بأنها حركات إصلاح.
- إحياء الحضارات القديمة.
- اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية عن الغرب ومحاكاته فيها.
- تربية الأجيال تربية لادينية. إذا كان هناك عذر لوجود العلمانية في الغرب, فليس هناك أي عذر لوجودها في بلاد المسلمين؛ لأن النصراني إذا حكمه قانون مدني وضعي لا ينزعج كثيرًا ولا قليلاً؛ لأنه لا يعطل قانونًا فرضه عليه دينه وليس في دينه ما يعتبر منهجًا للحياة، أما مع المسلم فالأمر مختلف حيث يوجب عليه إيمانه الاحتكام لشرع الله.ومن ناحية أخرى كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي فإنه إذا انفصلت الدولة عن الدين بقي الدين النصراني قائمًا في ظل سلطته القوية الفتية المتمكنة وبقيت جيوش من الراهبين والراهبات والمبشرين والمبشرات تعمل في مجالاتها المختلفة دون أن يكون للدولة عليهم سلطان بخلاف ما لو فعلت ذلك دولة إسلامية فإن النتيجة أن يبقى الدين بغير سلطان يؤيده ولا قوة تسنده, حيث لا بابوية ولا كهنوت ولا إكليروس, وصدق الخليفة الثالث عثمان بن عفان t حين قال: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".

العلمانية جذور فكرية وعقائدية :
العداء المطلق للكنيسة أولاً وللدين ثانيًا أيًّا كان، سواء وقف إلى جانب العلم أم عاداه.لليهود دور بارز في ترسيخ العلمانية من أجل إزالة الحاجز الديني الذي يقف أمام اليهود حائلاً بينهم وبين أمم الأرض.يقول ألفرد هوايت هيو: "ما من مسالة ناقض العلم فيها الدين إلا وكان الصواب بجانب العلم والخطأ حليف الدين", وهذا القول إن صح بين العلم واللاهوت في أوربا, فهو قول مردود ولا يصح بحال فيما يخص الإسلام, حيث لا تعارض إطلاقًا بين الإسلام وبين حقائق العلم، ولم يقم بينها أي صراع كما حدث في النصرانية.وقد نقل عن أحد الصحابة قوله عن الإسلام: "ما أمر بشيء، فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء, فقال العقل: ليته أمر به", وهذا القول تصدقه الحقائق العلمية والموضوعية وقد أذعن لذلك صفوة من علماء الغرب وأفصحوا عن إعجابهم وتصديقهم لتلك الحقيقة في مئات النصوص الصادرة عنهم.
- تعميم نظرية (العداء بين العلم من جهة والدين من جهة) لتشمل الدين الإسلامي, على الرغم أن الدين الإسلامي لم يقف موقف الكنيسة ضد الحياة والعلم حتى كان الإسلام سباقًا إلى تطبيق المنهج التجريبي ونشر العلوم.
- إنكار الآخرة وعدم العمل لها واليقين بأن الحياة الدنيا هي المجال الوحيد.لماذا يرفض الإسلام العلمانية؟ :
- لأنها تغفل طبيعة الإنسان البشرية باعتبارها مكونة من نفس وروح فتهتم بمطالب جسمه ولا تلقي اعتبارًا لأشواق روحه.
- لأنها نبتت في البيئة الغربية وفقًا لظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية وتعتبرفكرًا غريبًا في بيئتنا الشرقية.
- لأنها تفصل الدين عن الدولة فتفتح المجال للفردية والطبقية والعنصرية والمذهبية والقومية والحزبية والطائفية.
- لأنها تفسح المجال لانتشار الإلحاد وعدم الانتماء والاغتراب والتفسخ والفساد والانحلال.
- لأنها تجعلنا نفكر بعقلية الغرب، فلا ندين العلاقات الحرة بين الجنسين وندوس على أخلاقيات المجتمع ونفتح الأبواب على مصراعيها للممارسات الدنيئة, وتبيح الربا وتعلي من قدر الفن للفن, ويسعى كل إنسان لإسعاد نفسه ولو على حساب غيره.
- لأنها تنقل إلينا أمراض المجتمع الغربي من إنكار الحساب في اليوم الآخر, ومن ثم تسعى لأن يعيش الإنسان حياة متقلبة منطلقة من قيد الوازع الديني، مهيجة الغرائز الدنيوية كالطمع والمنفعة وتنازع البقاء ويصبح صوت الضمير عدمًا.
- مع ظهور العلمانية يتم تكريس التعليم لدراسة ظواهر الحياة الخاضعة للتجريب والمشاهدة وتهمل أمور الغيب من إيمان بالله والبعث والثواب والعقاب, وينشأ بذلك مجتمع غايته متاع الحياة وكل لهو رخيص.


العلمانية ومواقع النفوذ :
بدأت العلمانية في أوربا وصار لها وجود سياسي مع ميلاد الثورة الفرنسية سنة 1789م, وقد عمت أوربا في القرن التاسع عشر وانتقلت لتشمل معظم دول العالم في السياسة والحكم في القرن العشرين بتأثير الاستعمار والتبشير.

يتضح مما سبق :
إن العلمانية دعوة إلى إقامة الحياة على أسس العلم الوضعي والعقل بعيدًا عن الدين الذي يتم فصله عن الدولة وحياة المجتمع وحبسه في ضمير الفرد ولا يصرح بالتعبير عنه إلا في أضيق الحدود.وعلى ذلك فإن الذي يؤمن بالعلمانية بديلاً عن الدين ولا يقبل تحكيم الشرعية الإسلامية في كل جوانب الحياة ولا يحرم ما حرم الله يعتبر مرتدًا ولا ينتمي إلى الإسلام. والواجب إقامة الحجة عليه واستتابته حتى يدخل في حظيرة الإسلام وإلا جرت عليه أحكام المرتدين المارقين في الحياة وبعد الوفاة.

المصدر: موقع صيد الفوائد.