إضطراب الوسواس القهرى من الاضطرابات الشائعة التى تصيب من 2-4% من مجموع الناس وتؤثر على حياتهم بصورة كبيرة ويتميز هذا المرض بوجود أفكار قهرية تسيطر على الشخص على غير إرادته، ورغم معرفته بعدم منطقيتها أو سخفها إلا أنه لا يستطيع مقاومتها مما يسبب له قلقاً شديداً وربما اكتئاباً ثانوياً، وللتخلص من القلق المصاحب قد يلجأ المريض إلى فعل بعض الطقوس، فمثلاً فى حالة وساوس النظافة والطهارة من الممكن أن يقوم المريض بغسل يديه أو الوضوء أكثر من مرة وربما يقضى وقتاً طويلاً فى الحمام يمتد إلى أكثر من ساعة وهكذا، وهناك أيضاً الوساوس الدينية، وهى من أشد أنواع الوساوس ألماً، حيث تنتاب المريض أفكار دينية مغلوطة قد تشككه فى دينه وربما تتناول الذات الإلهية بصورة غير لائقة حتى أثناء صلاته مما يضطره أحياناً إلى الإقلاع عن الصلاة نهائياً وينتابه شعور شديد بالذنب وعدم رضاء الله عنه، وفى هذه الحالة قد يلجأ إلى رجال الدين أو حتى المشعوذين معتقداً أن شيطاناً قد أصابه وتتفاقم الحالة ويتأخر العلاج!
من الوساوس المؤلمة أيضاً هناك الأفكار الاندفاعية والتى توحى للمريض بأنه سوف يفقد السيطرة على تصرفاته بأن يؤذى نفسه أو من حوله بدون أى سبب أو يصدر منه أى تصرف غير لائق دون أى مبرر، ويعيش المريض حالة من الرعب خوفاً من تحقق مثل هذه الأفكار.
ويختلف اضطراب الوسواس القهرى عن ما يسمى بالشخصية النظامية أو الوسواسية، وفيها تبدأ الأعراض منذ الصغر ويكون الشخص مقتنعاً بما يفعله فهو حريص على الترتيب والنظام وليست لديه أى مرونة لتقبل أن تسير الأمور على غير ما يريد، وهذا الشخص لا يلجأ للعلاج لأنه لا يعتقد أنه مريض، بل عادة يشكو منه من حوله، فهم من يعانون أكثر منه!
مرض الوسواس القهرى لا يقتصر فقط على البالغين، وإنما قد يصيب أيضاً الأطفال، وفى هذه الحالة تكون الطقوس غير المبررة هى الأمر الملحوظ لدى الآباء كأن يلزم الطفل نفسه بحركات أو ترتيبات معينة قبل الأكل أو قبل المذاكرة مثلاً، وفى البداية ربما يعتقد الأهل أنه طفل منظم ويستحسنون ذلك ولكنهم سرعان ما يكتشفون أن الأمر أخطر من ذلك عندما يتسبب هذا السلوك فى تأخر الطفل ومعاناته.
هناك الكثير من النظريات التى تفسر حدوث الوسواس القهرى، منها العوامل الوراثية وطريقة التنشئة ووجود خلل كيميائى ببعض الموصلات العصبية خاصة المتعلقة بمادة السيروتونين، ولذلك يعتمد العلاج الدوائى بصفة أساسية على مضادات الاكتئاب التى تزيد من هذه المادة، وإن كان العلاج المعرفى والسلوكى لا يقل أهمية بأى حال من الأحوال عن العلاج الدوائى.
يستجيب أكثر من ثلثى المرضى للعلاج بصورة جيدة ولكن يجب الانتظام على العلاج لفترات طويلة حتى لا تحدث انتكاسات، بينما قد يحتاج من 20-30% من المرضى إلى طرق علاج غير تقليدية وعلاجات أخرى متنوعة ومتكاملة أملاً فى الحصول على أعلى استجابة ممكنة للعلاج.
المصدر/ أ.د.طارق أسعد أستاذ الطب النفسي