-->
-->
مثلما تترك غربة الزوج آثاراً نفسية مدمرة على الزوجة فهي موجعة ـ أيضاً ـ على الزوج وتولَّد لديه كثيراً من المشاكل النفسية جراء ابتعاده عن زوجته وأطفاله الإجباري بسبب قلة ذات اليد والحاجة لإصلاح الجانب الاقتصادي للأسرة، فهو لذلك يقاسي الأمرين ويعاني تشرده في بلاد الآخرين وحيداً، والنتيجة إما نجاح مادي على حساب بُنية الأسرة الأخلاقية والنفسية أو ضياع الحالتين معاً.. فقد ينهار الرجل أو يسقط أو تتقاذفه موجة الانحراف هو الآخر وتحت دوافع غريزية ونفسية مكبوتة وقابلة للانفجار في أية لحظة.. معاناة المغتربين توضحها السطور بألسنتهم وبدماء قلوبهم المسفوحة بفعل شيء اسمه الاغتراب..
قصة «وليد .ح» تشبه كثيراً من قصص شباب آخرين تزوجوا باكراً بسبب تقاليد قريته ـ فاضطر لمغادرة المدرسة والوطن بحثاً عن رزق له ولزوجته وطفله الذي باغتهما مبكراًُ بعد أقل من عام ـ لكن النهاية ليست شبيهة ببقية القصص مطلقاً.. يقول وليد:«أصر والدي على تزويجي مبكراً بحجة الاستفادة من المال الذي تحصلنا عليه من زواج شقيقتي ومراعاة لتقاليد الناس في قريتنا، مع أنني كنت لا أزال طالباً في السنة الأخيرة من الثانوية.. الأشهر الأولى من الزواج كانت ممتعة ولكن بمجرد انتفاخ بطن زوجتي تغيرت الظروف، فبدأ أبي يطالبني بمصاريف تساعده في الإيفاء بمتطلبات أسرتنا الكبيرة خاصة ونحن سبعة أبناء ـ أنا أكبرهم ـ وأربع بنات بالإضافة إلى أبي وأمي وزوجتي وطفلي..
حينها قررت التوقف عن الدراسة والبحث عن مصدر رزق لنا جميعاً، ولأن لدينا قريب مغترب ميسور الحال فقد توفرت لي «فيزا العمل» بسرعة.. سافرت حتى قبل أن تلد زوجتي وأرى طفلي.. وهناك قضيت في سفريتي الأولى خمس سنوات بالتمام والكمال، ثم عدت وبقيت ثلاثة أشهر حتى حملت زوجتي بطفل آخر وسافرت مرة أخرى، ولكن هذه المرة دامت غربتي ثمان سنوات!! استطعت خلالها الوفاء بواجبي في مساعدة والدي بمصاريف البيت وتزويج بعض من إخوتي وشراء بيت خاص بي في المدينة يأتيني منه إيجار شهري لا بأس به، لكنني دفعت ثمن ذلك ، فقد حُرمت من متعة الحياة وسرقني العمر بعيداً عن زوجتي وابنيّ «محمد وأمجد»..
وأضاف ما قتلني حقاً هو ما اكتشفته اخيراً إثر رجوعي قبل شهرين ، فقد لاحظت أن زوجتي متغيرة وكأنها ليست المرأة التي ارتبطت بها، كانت تبدو مشوشة وقلقة في أحيان كثيرة، وعندما نكون لوحدنا لا ألقى منها عاطفة ولا رغبة كالتالي كانت، الأمر الذي جعلني أفتش في حوائجها الخاصة وأراقب تحركاتها لأكتشف المفاجأة التي صعقتني.. لقد كانت على علاقة بابن عمي وتذهب إلى منزلهم للقائه في غياب أسرته!! وما أكد لي شكوكي وجود حبوب منع الحمل مخبأة تحت ملابسها واتصالات آخر الليل التي تقوم بها بعدما تتأكد من نومي وبصوت هامس.. وأين؟ في الحمام!!..
طلقتها بدون إبداء الأسباب، ورفضتُ محاولة الإصلاح من أهلي وأهلها لأنهم لا يعلمون شيئاً، وكل ذلك من أجل «محمد وأمجد» فلا أريد أن تهتز صورة أمهما داخلهما.. والآن أعيش بشقة في بيتي في المدينة ولا أفكر مطلقاً في تكرار تجربة الزواج أو الغربة، المهم عندي محمد و أمجد وخلاص».