هل تريد أن أعرف الحكمة من تقبيل الحجر الأسود؛ لأن هناك الكثيرين يستدلون بجواز تقبيل الحجر الأسود على جواز تقبيل أضرحة الأولياء، خصوصاً الأئمة؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فإن الحكمة الحقَّة من تقبيل الحجر الأسود هي الاتِّباع المحضُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإظهارُ العبودية لله تعالى والتسليم لأمره وهو من تعظيم شعائر الله، وقد دَّلت على ذلك الأدلة من السنة المطهرة، ومنها:
ما (رواه الإمام البخاري) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير، كلما أتى على الرُّكن أشار إليه بشيءٍ في يده وكبَّر".
و(روى الإمام مسلم)، عن نافع قال: رأيتُ ابنَ عمر استلم الحجر بيده، ثم قبَّل يده وقال: "ما تركتُه منذ رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله".
و(روى الإمام مسلم) عن أبي الطُّفَيْل رضي الله عنه قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمِحْجَنٍ معه، ويقبِّلُ المِحْجَنَ".
صورة حقيقية للحجر الأسود |
وجاء في فضل استلامه أحاديثٌ منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والله ليبعثنَّه الله يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسانٌ ينطق به، يشهد على من استلمه بحقٍّ" (رواه الترمذي) عن ابن عباس، وصحَّحه الألباني.
ما (رواه الإمام أحمد) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن مَسْحَ الحجر الأسود والرُّكْن اليَمانيّ يحطَّان الخطايا حطّاً".
وليعلم: أنه ليس لأحد اختيارٌ مع أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فالذي حرَّم عبادة الأحجار والأشجار والأوثان، وحرَّم التقرُّب إليه بغير ما شرع الله، هو الذي أمر بالطواف حول بيته، وشرع تقبيل الحجر، ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "إني لأعلم أنك حجرٌ لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّلُكَ ما قبَّلْتُكَ" (متفقٌ عليه).
قال الإمام الطَّبريُّ: "إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهدٍ بعبادة الأصنام؛ فخشي عمر أن يظنَّ الجهَّال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يُعلِم الناس أن استلامه اتِّباعٌ لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا لأنَّ الحجر ينفع ويضرُّ بذاته، كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان".
وقال الباجيُّ في (المنتقى): "تقبيلُه وتعظيمه ليس لذاته، ولا لمعنًى فيه؛ وإنما هو لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرع ذلك طاعةً لله تعالى".
وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح): "قال المهلب: وإنما شُرع تقبيله اختياراً؛ ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع، وذلك شبيهٌ بقصة إبليس؛ حيث أمر بالسجود لآدم" وقال: "وفي قول عمر هذا التسليم للشَّارع في أمور الدين، وحسنُ الاتِّباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدةٌ عظيمةٌ في اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله، ولو لم يعلم الحكمة فيه، وفيه دفعُ ما وقع لبعض الجهَّال من أنَّ في الحجر الأسود خاصةً ترجع إلى ذاته، وفيه بيان السُّنن بالقول والفعل، وأن الإمام إذا خشي على أحدٍ من فعله فساد اعتقاده، أن يبادر إلى بيان الأمر ويوضِّح ذلك".
وليُعلم: أن هناك عدة فوارق بين الحجر الأسود الذي شُرع تقبيله وبين الأضرحة؛ فالحجر ثبتت مشروعية تقبيله بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله؛ وقد أَمرنا باتِّباع هديه في الحج؛ فقال: "خذوا عنِّي مناسككم" (رواه مسلمٌ).
وكما ثبتت نصوصٌ في التَّرغيب في تقبيله، بخلاف تقبيل الأضرحة الذي يؤدِّي للشِّرك, والغلُّو في الصالحين المفضي لعبادتهم، وهو أمرٌ خطيرٌ، يجرُّ صاحبه للمهالك فإن تقبيل الحجر الأسود ابتلاء العباد ، ولهذا قال عمر رضي الله عنه : "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" (متفق عليه)، فاحذر أن تعترض على شيء مما شرع الله، أو أن يكون في نفسك حرج وضيق من ذلك. والله أعلم.
المصدر/ الشيخ خالد عبد المنعم الرفاعي