تغزو أوراق التبغ العالم القديم مقبلة من العالم الجديد بعد اكتشاف القارة الأميركية.هذا، ولا يزال الاعتقاد «الخاطئ» لدى أهل شرق الأرض وغربها، بأن الشيشة أقل ضررا بكثير من تدخين السجائر، هو المبرر الأبرز للارتفاع المتنامي خلال السنوات القليلة الماضية في نسبة الإقبال العالمي عليها.
وينمق هذا المبرر عوامل أخرى، غالبها اجتماعي يتعلق بـ«طقوس الجلسة» و«لوازم تعديل المزاج» المثيرة للتسلية في انتقاء «فخفخات» نكهات الفواكه المختلفة والمضافة إلى أوراق التبغ المقطعة flavored tobacco، للحصول على أفضل أنواع «المعسل» maassel. وكذا اختلاف الأمزجة في خبرات الـ«تقنيات» المتنوعة لإعداد أفضل «رأس» معسل وإضافة نكهات من النعناع والورد وغيره إلى ماء النارجيلة، وانتقاء أنواع أنبوب التوصيل وهيئة «مبسم الشفط». وكذلك المبرر الآخر المتعلق بالرائحة الألطف للفم والجسم والملابس بعد الفراغ من التدخين بالنارجيلة. النارجيلة (الأركيلة argileh).
تتعدد أسماؤها؛ إذ يحلو للبعض تسميتها «شيشة» shisha، وآخرون يفضلون « تدليعها» فيسمونها «جوزة» goza، والبعض يطلق عليها «نارجيلة» narghile. وفي العالم الغربي، تتعدد أسماؤها الإنجليزية كذلك، فهي «جوكا» أو «هوكا» hookah، أو «غليون الماء» waterpipe، أو «ضجيج خرير الفقاقيع» hubble-bubble.
أضرار النارجيلة الصحية:
ولكن تقرير منظمة الصحة العالمية، واعتمادا على ما هو متوفر من دراسات حول النارجيلة، يستخلص عدة نقاط صحية مهمة. من أبرزها أن استخدام النارجيلة للتدخين يحمل في طياته «مخاطر صحية جدية» على المدخن وعلى من يجالسه أثناء استخدامها، وأن استخدامها ليس وسيلة أكثر أمانا صحيا من تدخين السجائر، وأن مدخن النارجيلة حينما يدخنها في جلسة لفترة ساعة، فإنه يستنشق نحو 200 ضعف كمية الدخان الذي يستنشقه مدخن السيجارة الواحدة، وأنه حتى بعد مرور دخان النارجيلة عبر ماء، فإنه لا يزال يحمل كميات كبيرة من المواد الكيميائية السامة والمعادن الثقيلة والمواد المتسببة في السرطان.
وإن استخدام الفحم الطبيعي أو الصناعي في إحراق المعسل أو التبغ، هو أمر في حد ذاته يحمل مخاطر صحية تفوق تلك التي تنتج فقط عن إشعال التبغ مباشرة في السجائر.ذلك أن الاستنشاق بخرطوم النارجيلة يشفط الدخان الناجم عن حرق المعسل ويشفط أيضا الغازات والمواد الكيميائية السامة الناتجة عن احتراق قطع الفحم. ومعلوم أن تلك القطع من الفحم المحترق تحتوي هي الأخرى على قائمة من الغازات والمواد الكيميائية، وهذه المواد تكون بلا شك أسوأ عند استخدام أنواع الفحم الصناعي. وأنه لا يوجد أي إثبات علمي على أن أي إضافة أو تعديل لتركيب جهاز النارجيلة سيتسبب في تخفيف أضرارها الصحية.
وأن الاشتراك في استخدام النارجيلة للتدخين، سواء في الوقت نفسه أو لاحقا، يحمل في طياته ارتفاع احتمالات خطورة نقل عدوى الميكروبات، خاصة مرض درن السل والتهابات الكبد الفيروسية.
وأن إضافة المواد الحلوة السكرية لفتات أوراق التبغ ترفع من احتمالات الإقبال على التدخين، نظرا للطعم والرائحة الأكثر جاذبية، كما أنه يضيف قائمة جديدة من المواد الكيميائية السامة والمعادن الثقيلة والمواد المتسببة في السرطان فوق تلك المتوفرة أصلا في أوراق التبغ الطبيعي.
وكل هذه النقاط التي تحدث عنها تقرير منظمة الصحة العالمية هي أمور مهمة جدا، لأنها أضرار لأمور مضافة تفوق تلك التي تنتج عن استنشاق مجرد دخان التبغ المحترق في السجائر.والنقاط المقصودة هي:
- أولا: المعسل وتبغ السجائر الجاف: في النارجيلة يستخدم المعسل، وهو مكون من فتات أوراق التبغ المتخمرة والمكبوسة لفترات، كي تمتزج وتنتج نكهة مختلفة للتبغ نفسه. وهذا ينتج عنه نمو الفطريات التي تحمل العديد من المواد الكيميائية التي لم تكن أصلا موجودة في أوراق التبغ «الطازجة» والمستخدمة في السجائر.ويضاف إلى فتات أوراق التبغ المتخمرة مزيج من الغليسرين ودبس قصب السكر وعصارات صناعية أو طبيعية للفواكه المتخمرة بداعي إعطاء نكهات مختلف أنواع الفواكه، إضافة إلى أنواع شتى من المواد الكيميائية الصناعية كصبغات لتلوين مزيج المعسل. وهذه المواد الجديدة المضافة إلى أوراق التبغ، كل واحدة منها «حكاية جديدة» من نواحي نواتج احتراقها والغازات المنبعثة عنها والمواد الكيميائية المتشكلة نتيجة لاحتراقها. وكل هذا يستنشقه مدخن النارجيلة ولا يستنشقه مدخن السجائر. هذا، وناهيك بالدخول في متاهات تخيل أماكن صناعة المعسل، وأي ضوابط يتم تطبيقها عليها، ونوعية الرقابة الصحية وغيرها من الدهاليز التي يتوه فيها المتخيل، ناهيك بالمتحقق من ذلك على أرض الواقع.
- ثانيا: استخدام الفحم الطبيعي أو الصناعي: في السجائر يتم إشعال فتات أوراق التبغ مباشرة مع الطبقة الورقية الرقيقة المغلفة لها. بينما في النارجيلة، توضع قطع من الفحم لتنشيط واستمرار احتراق قطعة المعسل. وهذا الفحم يحترق هو الآخر طوال الوقت. والفحم ليس شيئا خاملا وبريئا لا يحمل في مكوناته مواد كيميائية سامة، بل إن احتراق الفحم بذاته يحمل كميات كبيرة من غاز أول أكسيد الكربون، إضافة إلى قائمة تضم المئات من العناصر الكيميائية السامة والمواد المتسببة في السرطان والمعادن الثقيلة. والفحم الطبيعي في الأساس، هو قطع من أخشاب الأشجار التي تتلوث بشكل تلقائي وطبيعي بما يجود في المناطق الجغرافية التي نمت فيها أشجارها. ثم يتم إحراقها بشكل جزئي، كي يتكون الفحم. وهذا الاشتعال الجزئي، يضيف مواد كيميائية أخرى وجديدة. ثم يأتي مدخن النارجيلة ليستنشق كل ما ينتج عن احتراق الفحم. والقصة بلا شك ستكون أسوأ عند استخدام أحد الأنواع المختلفة للفحم الصناعي. ولا مجال في هذا العرض للحديث عن الكم الكبير من الدراسات الطبية التي تكلمت عن أضرار استخدام الفحم الصناعي في الطهي أو الشواء أو التدفئة المنزلية، ناهيك باستنشاقه مباشرة.
- ثالثا: كمية الدخان الذي يدخل الرئة: لا مجال للشك في أن عمق وقوة الشفط عند تدخين النارجيلة يفوق بمراحل ما يحدث عند تدخين السجائر أو الغليون أو السيجار. وتقرير منظمة الصحة العالمية لاحظ حقيقة مهمة وهي أن حجم كمية الدخان الذي يدخل إلى رئة شخص يدخن نارجيلة في جلسة لمدة ساعة يعادل 200 ضعف لكمية الدخان التي تدخل إلى رئة شخص يدخن سيجارة واحدة. كما أن العمق جانب آخر تحدثت عنه الدراسات الطبية الأميركية، التي لاحظت أنه عند تدخين النارجيلة، فإن الدخان يدخل ويتغلغل في الحويصلات الرئوية بشكل أعمق من المدى الذي يصل إليه دخان تدخين السجائر. وبالتالي، فإن الدخان يبقى في الرئة مدة أطول عند التدخين بالنارجيلة مقارنة بالسجائر. ومعلوم أن ما يخرج مع الزفير ليس كل الهواء الذي دخل إلى الرئة، بل جزء منه.
- رابعا: الاشتراك في استخدام الشيشة وقد يحرص البعض على الاستخدام الشخصي لشيشته ولكن غالبية مدخني الشيشة أو النارجيلة، خاصة من يذهبون للمقاهي، يستخدمون نارجيلة استخدمها قبلهم المئات. ويتحاذق بعض المقاهي عبر إعلانه أنه يغير أنبوب وخرطوم الشفط. وهذا في الحقيقة لا يكفي ألبتة لأنه جزء من عدة أجزاء يمر عبرها الدخان.
وكان كثير من الهيئات الطبية العالمية، مثل «منظمة الصحة العالمية» و«مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية» CDC و«رابطة أمراض الصدر الأميركية» وغيرها، صريحا في التحذيرات من احتمال تسبب استخدام النارجيلة في انتقال الأمراض الميكروبية المعدية، كالسل والتهابات الكبد وميكروبات التهابات الجهاز التنفسي. كما طرح الباحثون نقاطا أخرى مهمة تتعلق بمقاهي تقديم النارجيلة، ومنها جوانب تتعلق بنظافة وتعقيم النارجيلة، التي يتكرر استخدامها، وبالتالي، يسهل انتقال عدوى الميكروبات بين مستخدم وآخر.