ان منع انتقال العدوى والعوامل الممرضة في المنظومة الطبية من أهم الواجبات الملقاة على عاتق الطبيب بشكل اساسي، وعلى عاتق الفريق الطبي المساند، وبحيث يعتبر هذا الامر من أهم الواجبات الاخلاقية والطبية التي ينبغي التعامل معها بدقة عالية. والمنظومة الطبية المعنية هنا هي: الطبيب، المريض، الممرضة المساعدة، موظفي العيادة الآخرين، الفنيين المخبريين وعاملي المختبرات، وهذه المنظومة هي المعرضة بشكل رئيسي لانتقال العدوى وهي المسؤولة عنه.
كيف يحدث انتقال العدوى؟
تحدث العدوى من خلال تكامل السلسلة التالية التي تسمى "سلسلة انتقال العدوى": وجود عضية ممرضة وباعداد كافية لاحداث المرض، وجود مخزن يسمح للعامل الممرض بالحياة والتكاثر (مثلا: الدم)، وجود ناقل من المصدر الى الشخص، وجود مكان يدخل منه العامل الممرض الى داخل الشخص، وان يكون ذلك الشخص معرض للمرض (ليس منيعا ضد المرض).
وتهدف استراتيجيات منع نقل العدوى الى كسر واحدة او اكثر من حلقات السلسلة اعلاه وهو الامر الذي يؤدي الى اعاقة اكتمال حلقة العدوى ومنعها.
تنتقل العدوى عادة عبر التلامس المباشر مع الدم، او السوائل الفموية او السوائل الجسمية الاخرى، او من خلال التلامس غير المباشر مع اشياء ملوثة، او من خلال تلامس الانسجة الرخوة للعين، او الانف، او الفم مع رذاذ يحمل عضيات دقيقة، او من خلال اسنشاق عضيات محمولة جوا يمكنها البقاء معلقة في الهواء لفترات طويلة.
ما هي أهم المخاطر؟
ان أهم المخاطر التي قد يتعرض لها أحد افراد المنظومة الطبية جراء العدوى هي:
فيروس التهاب الكبد الوبائي ب HBV
فيروس نقص المناعة البشري HIV
مرض كرويتزفيلد جاكوب CJD
السل TB
ماذا عن مرض التهاب الكبد الوبائي؟
يشكل فيروس التهاب الكبد الوبائي نوع ب HBV الخطر الاكبر على العاملين في حقل الصحة، حيث يوجد مئة مليون فيروس في كل مللتر من دم المصاب به مقارنة بمئة فيروس فقط لكل مللتر لفيروس نقص المناعة البشري HIV.
ينتقل فيروس التهاب الكبد الوبائي نوع ب من خلال التعرض لدم او سوائل جسدية اخرى لشخص مصاب من خلال الاغشية المخاطية أو اختراق جلدي (مثلا ابرة ملوثة). ويحتوي دم المصاب على اعداد هائلة من هذا الفيروس وهو المخزن الاساسي له. كما يمكن لفيروس فيروس التهاب الكبد الوبائي نوع ب ان يعيش في الدم المتخثر وبدرجة حرارة الغرفة لمدة اسبوع كامل. اما السوائل الجسمية الاخرى فهي ليست نواقل جيدة لانها تحتوي اعداد قليلة من الفيروس.
ماذا عن مرض الايدز؟
أما فيروس نقص المناعة البشري HIV فانتقاله نادر جدا في المنظومة الطبية (فيما عدا الحالات الناتجة عن نقل الدم الملوث). فنسبة الاصابة بفيروس HIV بعد التعرض له لمرة واحدة من خلال دم ملوث داخل الانسجة هي 0.3% ومن خلال الاغشية المخاطية 0.1% .
ماذا عن مرض جنون البقر؟
من الاخطار المحتملة الاخرى مرض كرويتزفيلد جاكوب CJD، وهو واحد من مجموعة من الامراض المميتة التي تصيب الجهاز العصبي هي مجموعة الـ Transmissible Spongiform Encephalopathies
وتصيب الانسان والحيوان، ويسببها عامل ممرض غير تقليدي هو البرايون Prion: احد اشكال البروتينات القادرة على التصرف كعضية حية رغم عدم وجود حمض نووي بها. ويعتبر الـ vCJD نوع جديد من هذه الامراض له علاقة بجنون البقر.
الـ CJD و vCJD هي امراض معدية عن طريق التعرض لانسجة جهاز عصبي مصابة، او التعرض لانسجة عين او غدة درقية مصابة. وحتى الآن لم يثبت اي خطورة لانتقال CJD من خلال الاجراءات الطبية التقليدية. ولكن خطورة هذا المرض تكمن في ان العامل الممرض (البريونات) مقاومة جدا لكل اشكال التعقيم والتطهير المعروفة. والوقاية الاساسية ضدها هي التركيز على غسل الادوات بالماء والصابون جيدا قبل تعقيمها.
ماذا يعني "التعقيم"، وماذا يعني "التطهير"؟ وهل هناك فرق بينهما؟
لا بد اولا من الاحاطة بالتعريفات الاساسية لعمليات الوقاية من نقل العدوى وهي : التنظيف والتطهير والتعقيم.
فالتنظيف Cleaning هو ازالة الاوساخ والدهون والمواد العالقة المرئية، وهي خطوة لازمة لما سيلي من تطهير او تعقيم، ولا يتحقق هذان الاخيران بدونها.
اما التطهير Disinfection، فهو قتل العضيات الممرضة وغيرها، ولكن ليس بالضرورة المتحوصلات spores.
وأخيرا، فالتعقيم Sterilization يعني قتل او ازالة جميع العضيات الدقيقة بما في ذلك الفيروسات والمتحوصلات spores، ويتحقق بواسطة البخار تحت الضغط (الاوتوكليف)، الحرارة الجافة، البخار الكيميائي غير المشبع.
وقد يعتمد التطهير والتعقيم على عوامل تتعلق بمدة التعرض للمادة المطهرة/المعقمة. فالتعرض للجلوترآلديهايد 2% لمدة 10 دقائق يؤدي الى التطهير، لكن التعرض لنفس المادة ولكن لمدة 10 ساعات يؤدي الى التعقيم.
كما قد يعتمد التطهير والتعقيم على عوامل تتعلق بنوع العامل المعدي المستهدف، مثلا: فيروس نقص المناعة البشري يعطب بتعرضه لفترة قصيرة للجلوترآلديهايد أو الهيبوكلورايت او الكلوروهيكسيدين، اما فيروس التهاب الكبد الوبائي نوع ب فهو اكثر مقاومة ولا يؤثر به الكلوروهيكسيدين.
هل جميع المواد المطهرة متشابهة؟
تصنف العوامل المطهرة عموما بحسب فعاليتها.
فهي ذات فعالية عالية ان كانت تعطب الvegitative bacteria، المايكوباكتيريا، الفطريات، الفيروسلات، ولكن ليس بالضرورة عدد كبير من المتحوصلات spores. مثال: الجلوتيرالديهايد 2% لمدة 10-30 دقيقة.
وذات فعالية متوسطة ان كانت تعطب الvegitative bacteria، اغلبية الفطريات، المايكوباكتيريا، اغلبية الفيروسلات، ولكن ليس المتحوصلات spores. مثال: مركبات الكلورين، الكحول، مركبات الفينول والايوديوفور.
وذات فعالية منخفضة ان كانت تعطب معظم الvegitative bacteria، بعض الفطريات، وبعض الفيروسلات، ولكن لا يعول عليها في اعطاب العضيات المقاومة مثل المايكوبكتيريا والspores. وهذه غير مناسبة للاستعمال للحد من نقل العدوى.
كيف يتم التعامل مع الادوات التي تلامس المريض؟
تصنف متعلقات المريض الى عدة فئات تتناسب مع حساسية تماسها مع المريض وأنسجته وسوائله، وبالتالي درجة خطورتها في نقل العدوى وطريقة التعامل معها، فهناك متعلقات حرجة، واخرى تصنف على انها شبه حرجة، وأخيرا متعلقات غير حرجة.
المتعلقات الحرجة هي ما يدخل داخل الجسم. ولها اعلى احتمال لنقل العدوى. ويجب تعقيمها بالحرارة. اما شبه الحرجة فهي ما يلامس الانسجة المخاطية او الجلد غير السليم (المشقق او المفتوح)، واحتمال نقل العدوى هنا أقل، وتعقم بالحرارة اما اذا تعذر فتعقم بالمطهرات ذات الفعالية العالية. المتعلقات غير الحرجة هي ما يلامس الجلد السليم، واحتمالية نقل العدوى هنا قليلة جدا، ويكتفى بعمليات التنظيف والتطهير.
كيف نصنف الاشياء على انها ملوثة او غير ملوثة؟
هناك نوعين من انظمة الاحتياط الممكن اتباعها:
الاحتياطات القياسية والاحتياطات العامة. الاحتياطات العامة (Universal) توجب معاملة كل ما هو ملوث بالدم او بسوائل قد تحتوي على الدم بصفته حاملا للعدوى، لأن المرضى الذين يحملون عوامل ممرضة في دمهم قد يكونوا بدون علامات دالة على المرض.
اما الاحتياطات القياسية (Standard) فتوجب معاملة كل ما هو ملوث بالدم او بسوائل الجسم الاخرى (ما عدا العرق) بصفته حاملا للعدوى.
ما هي الخطوات المتبعة للوقاية من انتقال العدوى في العيادات؟
التطعيم ضد التهاب الكبد الوبائي ب.
شروط متعلقة بالمكان:
نوعية الاثاث والاجهزة المخبرية يجب ان تكون قابلة للتنظيف بالمطهرات بدون ان تتلف.
اسطح العمل ملساء، غير منفذة، بدون زوايا.
ارضيات ملساء سهلة التنظيف - عدم استعمال السجاد ابدا داخل العيادات.
تهوية جيدة.
التنظيف بالمطهرات دائما.
عدم تناول الاكل داخل العيادة.
نظافة اليدين:
غسل اليدين واستعمال المواد المطهرة لليدين تعتبر اهم خطوة للوقاية من انتقال العدوى وذلك عن طريق تقليل عدد العضيات الدقيقة والعوامل الممرضة.
مغسلة غسل اليدين يجب ان تكون منفصلة عن مغسلة الادوات الطبية.
الحنفية تشغل بالكوع او بالركبة.
وجود علبة صابون سائل وعدم استعمال الواح الصابون.
استعمال مناشف يدوية ورقية لتنشيف اليدين ومن ثم تلقى (لا يفضل المناشف القطنية).
يجب تغطية اي جروح بلاصق طبي غير منفذ للماء.
قص الاظافر.
ربط الشعر الطويل الى الخلف.
نزع المجوهرات وساعة اليد.
استعمال الاقنعة الواقية.
استعمال الاقنعة الواقية.
استعمال قفازات اللاتيكس المطاطية.
المواد المستعملة للتطهير
الجلوتيرآلديهايد
من أفضل المواد فاعلية، لكنها مادة "غير صديقة" للعمل بها. قد تسبب تحسس للكثيرين. بخارها سام.
يجب عدم رش الجلوتيرآلديهايد أو استعماله على الاسطح.
يضر بالادوات المغطاة بالنيكل اذا غمرت فيها لفترة طويلة.
يضر بالادوات المغطاة بالنيكل اذا غمرت فيها لفترة طويلة.
يستعمل بشكل اساسي لتطهير وتعقيم الادوات.
الهيبوكلورايت ومركبات الكلور
فعالة كمطهر ولكن محاليلها غير مستقرة مع مرور الوقت و/أو تعرضها للضوء.
يجب عدم استعمال الصوديوم هايبوكلورايت مع المعادن غير النبيلة (يمكن ان تحدث تآكلا فيها).
يتفاعل مع الادوات المصنوعة من الالمنيوم ويحدث فيه تآكلا فيما تقوم جزيئات الالمنيوم بتقليل فعالية المحلول.
تم حديثا تصنيع مواد تطهير من مركبات الكلور المستقرة التي لا تتأثر بمرور الوقت و/أو الضوء.
تستعمل بشكل اساسي لتطهير الادوات والمغاسل والمباصق.
الكحول
الكحول 70% يمكن استعماله لتطهير الاسطح، لكنه مثبت، وعليه يجب اولا المسح بالماء لازالة اثار الدم والدهون وغيرها قبل المسح بالكحول.
كتبه الدكتور هشام البستاني